«الدفع مقابل الإقامة».. النساء السود يتحملن عبء سجون أمريكا

تكشف سياسات رسوم السجون في أمريكا عن واقع اقتصادي واجتماعي متردي.
ففي الوقت الذي تُصوَّر فيه أنظمة العدالة الأمريكية كأدوات لحماية المجتمع وإصلاح الجناة، فإن معظم الولايات الأمريكية تسمح اليوم بفرض رسوم على السجناء لقاء خدمات أساسية كالإقامة، والطعام، والرعاية الطبية، في ما يُعرف بسياسات “الدفع مقابل الإقامة”. ويرى منتقدو هذه السياسات فيها مظالم متجذّرة تمس العدالة الاقتصادية والعرقية، وتُلقي بعبء كبير على الأسر -لا سيما النساء السود.
وكشف تقرير حديث صادر عن موقع “أكسيوس” أن الأمريكيين السود يمثلون 37% من نزلاء السجون، رغم أن نسبتهم لا تتجاوز 13% من السكان. ومع أن دخل السجين لا يتجاوز غالبًا دولارًا واحدًا في اليوم، فإن قوانين 48 ولاية تُلزمه بتحمّل جزء من تكاليف إقامته، بما في ذلك الغذاء والرعاية الصحية. ونتيجة لعدم قدرتهم على الدفع، تتراكم الديون، وتنتقل غالبًا إلى أسرهم، لتُضاف إلى قائمة أعباء طويلة تتحملها عائلات مهمشة.
- عنف غير مسبوق في السجون الفرنسية.. ما علاقة «مافيا DZ»؟
وتُخصم هذه الرسوم تلقائيًا من الأموال التي تودعها العائلات في حسابات أبنائها السجناء. يقول ديراي ماكيسون، المدير التنفيذي لمجموعة Campaign Zero، إن هذا النظام لا يسمح بإعادة الدمج بعد السجن، بل يبدأ الناس من “تحت الصفر”.
النساء السود على خط النار
وتظهر الأبحاث بوضوح أن النساء -وخصوصًا النساء السود- يتحملن العبء الأكبر من هذه الرسوم. ووفقًا لمركز العدالة للغرامات والرسوم (FFJC)، فإن 83% من دافعي الرسوم نيابة عن المسجونين هن نساء، وغالبًا ما يكنّ أمهات أو زوجات أو شقيقات. وتشير الأرقام إلى أن الأم السوداء أكثر عرضة بثلاث مرات من نظيرتها البيضاء لأن تكون المعيلة الوحيدة للأسرة.
ولا يقتصر الضرر على الدفع فقط. فقد كشفت دراسة أن دخول النساء تنخفض بمعدل 75 دولارًا سنويًا في حال سُجن أحد أفراد أسرهن، مقارنة بـ26 دولارًا للرجال. كما أن الضغط النفسي، وفقدان ساعات العمل، وتحمل أعباء إضافية، كلها عوامل تؤدي إلى هذا التدهور.
من جهتها، تقول بريتني فريدمان، عالمة الاجتماع ومديرة مختبر “Captive Money”، إن بعض الولايات تُصادر أصولًا مالية مشتركة -مثل حسابات توفير الكلية- لمجرد ورود اسم السجين ضمن أصحابها، ما يُظهر حجم الضرر الذي قد يُطال حتى من لا علاقة مباشرة لهم بالجريمة أو العقوبة.
جذور المشكلة
وبدأت هذه السياسات في السبعينيات، مع توجه ولايات مثل كاليفورنيا وميشيغان إلى تحميل السجناء بعض تكاليف احتجازهم بهدف التخفيف عن ميزانيات الدولة. لكن تسارع فرض الرسوم جاء في الثمانينيات بعد تقليص التمويل الفيدرالي في عهد الرئيس رونالد ريغان. ومنذ ذلك الحين، لم تُستخدم الرسوم لأغراض التأهيل أو السلامة العامة، بل لتقليل النفقات.
رغم تجذر هذه السياسات، بدأت بعض الولايات الأمريكية اتخاذ خطوات لإعادة النظر فيها. فمثلا ولاية أوكلاهوما ألغت العديد من الرسوم الجنائية بموجب قانون شامل. وشطبت ماريلاند 13 مليون دولار من ديون الرقابة القضائية المتأخرة. ووضعت ولاية نيفادا سقفًا لما يمكن خصمه من أموال العائلات وأوقفت تحصيل رسوم طبية بعد الإفراج.
ووفقا لتقرير أكسيوس، تكشف قضية “الدفع مقابل الإقامة” كيف أن نظام العدالة قد يتحول إلى أداة لمعاقبة الفقراء بدلًا من مساعدتهم. اذ تُصادر المدخرات، تُلاحق العائلات، وتُضاف القيود المالية فوق العقوبات القانونية. وكما قالت بريتني فريدمان: “تحدثنا طويلًا عن السجن الجماعي، لكن لم يتحدث أحد عن العائلات التي تُصادر مدخراتها”.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=
جزيرة ام اند امز