قرار يُحرك صفائح أوكرانيا.. زيلينسكي «يُشعل» الداخل ويُغضب الحلفاء

بعد سنوات من الوحدة التي فرضتها الحرب، أشعل الرئيس الأوكراني احتجاجات واسعة بعد تبنيه قانونا «جريئا» يقوّض هيئات مكافحة الفساد.
وللمرة الأولى منذ اندلاع الحرب مطلع 2022، تجمع آلاف الأوكرانيين مساء الثلاثاء الماضي، ومعظمهم من النساء وبعض قدامى المحاربين، على بُعد بضعة مبان من المكتب الرئاسي في شارع بانكوفا بكييف.
وردد المحتجون هتافات “العار”، وهو ما أدى إلى تفتيت الوحدة الوطنية في البلاد ودق ناقوس الخطر بين حلفاء كييف، وفقا لما ذكرته صحيفة “تليغراف” البريطانية.
وجاءت الاحتجاجات بعد ساعات قليلة من إقرار البرلمان الأوكراني مشروع قانون قدمه مكتب الرئيس، ويضع المكتب الوطني لمكافحة الفساد ومكتب المدعي العام المتخصص في مكافحة الفساد تحت سيطرة المدعي العام، الذي يُعيّنه زيلينسكي بنفسه.
وفي ظل ما وصفه أعضاء المعارضة بأنه تجاهل “فظ” للإجراءات البرلمانية، أقر البرلمان القانون الذي يجرد الوكالات من استقلالها السياسي، في وقت قياسي؛ ففي غضون ساعات اقترح زيلينسكي وحزبه الحاكم مشروع القانون الجديد، وصوّتوا عليه، ووقعوه ليصبح قانونًا نافذًا.
وقبل أن يوقع زيلينسكي على القانون نزل المتظاهرون إلى شوارع كييف ومدن أخرى، للتنديد بما اعتبروه استيلاءً على السلطة في بلد ناضل بشدة للوصول إلى الديمقراطية.
واتهم البعض الرئيس بمحاولة حماية أعضاء دائرته المقربة من التحقيقات التي تجريها أجهزة مكافحة الفساد.
غضب على خط الجبهة
وفي الوقت نفسه، أعرب الجنود الأوكرانيون على خطوط المواجهة عن دهشتهم وغضبهم وهي مشاعر ترددت أصداؤها في العواصم الأوروبية المؤيدة لكييف.
وبعد موجة ثانية من الاحتجاجات مساء الأربعاء، بدا أن زيلينسكي قد تراجع، فوعد بتقديم مشروع قانون جديد خلال أسبوعين لحماية “استقلال مؤسسات مكافحة الفساد”. لكنه لم يكشف المزيد من التفاصيل.
وفي تصريحات لـ”تليغراف”، قال أوليكسي غونتشارينكو وهو واحد من 13 نائبًا فقط صوّتوا ضدّ القانون، إنه لم يكن يعلم بوجوده.
وأضاف: “تم تمريره عبر اللجنة ثم البرلمان، ثم وقّع عليه رئيس البرلمان، ثم وقّعه الرئيس، ثم تم نشره.. كل ذلك في 10 ساعات وهو أمر لا يُصدّق”.
“حرب تشريعية خاطفة”
ووصف غونتشارينكو، وهو معارض سياسي صريح لزيلينسكي، ما حدث بأنه “حرب تشريعية خاطفة” مدفوعة بالذعر داخل مكتب الرئيس إزاء التحقيقات التي تضيق الخناق على أعضاء الإدارة.
ويرى البعض أن القانون قد يكون محاولة من زيلينسكي لتعزيز سلطته في ظل تراجع شعبيته تدريجيًا مع استمرار الحرب.
والشهر الماضي، أعلنت هيئات مكافحة الفساد عن اشتباهها في تلقي أوليكسي تشيرنيشوف، نائب رئيس الوزراء الحالي، رشوة قدرها 345 ألف دولار في مشروع تطوير عقاري.
ونفـى تشيرنيشوف الشبهات، مؤكدا أنه “غير متورط ولن يستقيل من منصبه”. ومع ذلك، أُقيل في التعديل الحكومي الأسبوع الماضي.
والإثنين الماضي، نفذ جهاز الأمن الأوكراني عدة مداهمات للمكتب الوطني لمكافحة الفساد بزعم البحث عن جاسوس روسي، لكن المكتب احتج على المداهمات، محذرًا من أنها قد تُقوّض التحقيقات الجارية.
ورغم اتهام زيلينسكي بالاستبداد، ترى أوريسيا لوتسيفيتش، نائبة مدير برنامج روسيا وأوراسيا ورئيسة منتدى أوكرانيا في تشاتام هاوس، أنه اتهام مبالغ فيه.
وقالت: “ليس رجلًا واحدًا يُدير البلاد في أوكرانيا.. إنه نظام رأسمالي قائم على المحسوبية، حيث يحتاج أصحاب السلطة إلى إنفاذ القانون لابتزاز الموارد والضغط السياسي.. لذا فالتوازن أدق بكثير من كونه مُستبدًا”.
وأضافت “إنها لعنة النظام السياسي الأوكراني القائم على علاقة خطرة بين أجهزة إنفاذ القانون ومكتب الرئيس.. أيًا كان من يتولى السلطة، فإنه يشعر بانزعاج جوهري من استقلالية أجهزة إنفاذ القانون. لذا فهم يستغلون زمن الحرب لعكس ذلك”.
استياء الحلفاء
لا يشعر حلفاء أوكرانيا بالرضا عما يحدث. وأعربت جوليا فرومهولز، رئيسة قسم مكافحة الفساد في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عن “قلقها العميق إزاء التطورات الأخيرة” في رسالة إلى مكتب زيلينسكي.
ونقلت وكالة “رويترز”، عن مسؤول أوروبي قوله إن الأوكرانيين “يختبرون حدود” صبر حلفائهم، ووصف هذه الخطوة بأنها “أخطر لحظة” حتى الآن على استقلال سلطات مكافحة الفساد.
لكن الغضب الداخلى أكبر حيث أعرب العديد من أبطال الحرب، عن صدمتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وأعلنت إحدى الجامعات طرد 6 نواب صوتوا على القانون من رابطة خريجيها.
كما حذر كيريلو بودانوف، رئيس الاستخبارات العسكرية من أن أوكرانيا بحاجة إلى “مؤسسات قوية”.
وحول السبب وراء هذه الخطوة قالت لوتسيفيتش إن “زيلينسكي ربما فقد صلته بالمزاج العام في أوكرانيا لأنه يقضي الكثير من الوقت محط تقدير في الخارج أو ربما لا يفهم تمامًا تبعات ما يفعله، ويتلقى من حاشيته معلومات خاطئة حول مدى تقبل الجمهور والغرب له”.
«مكيدة محتملة»؟
يلمح البعض إلى مكيدة محتملة حيث تهامس المسؤولون والمعلقون طوال فترة رئاسة زيلينسكي حول طموحات أندريه يرماك، رئيس ديوان الرئيس وصديقه القديم من عالم الفن.
وفي عام 2024، اتضح أن المكتب الوطني لمكافحة الفساد أوقف تحقيقًا سابقًا مع شقيق يرماك، دينيس يرماك.
ونشرت صحيفة “الإيكونوميست”، تقارير تفيد بأن يرماك استغل التحقيقات مع تشيرنيشوف كذريعة لإقالته، كما يُعتقد أنه يقف وراء عدة محاولات لإقالة الجنرال بودانوف من الاستخبارات العسكرية.
لكن غونتشارينكو رفض ذلك وقال “الأمر لا يتعلق بيرماك أو بأي شخص آخر.. إنه زيلينسكي نفسه.. كل هؤلاء الأشخاص هم مجرد مُدرائه”.
وقالت لوتسيفيتش: “من الآن فصاعدًا سترون انتقادات متزايدة لزيلينسكي.. هذا يكسر نوعًا ما تحريم التعبير عن السخط، لأن الناس كانوا يُمارسون الرقابة الذاتية في السابق للحفاظ على الوحدة”.
ويرى البعض أن تراجع الرئيس لن يكون كافيًا لتبديد الشعور بعدم الثقة، ويجادلون بأنه يجب عليه المضي قدمًا في عكس التغييرات.
وفي حين انتهت ولاية زيلينسكي في مايو/أيار 2024، يحظر الدستور الأوكراني إجراء انتخابات في ظل الأحكام العرفية، كما هو الحال حاليًا.
وقال غونتشارينكو: “لو كنا في وضع طبيعي، لكان بإمكاننا الذهاب إلى الانتخابات، وسيقول الناس ما الذي سيحدث”.
وأضاف: “لسنا بحاجة إلى انقسامات داخلية في زمن الحرب.. التزمت الصمت لفترة طويلة بسبب الحاجة إلى الوحدة.. لكن هذا الصمت زاد الأمور سوءًا”.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز