«طاقة للجميع».. «أديبك» يعيد رسم خريطة الازدهار في الاقتصادات الناشئة

في عالم يتسارع فيه الطلب على الطاقة وتتعاظم فيه التحديات المناخية والاقتصادية، يواصل معرض ومؤتمر أبوظبي الدولي للبترول “أديبك” ترسيخ مكانته كأكبر حدث عالمي يجمع عقول ورواد قطاع الطاقة تحت سقف واحد.
يصوغ أديبك من خلال الحوار والابتكار خريطة جديدة للعدالة الطاقوية والازدهار المستدام في الاقتصادات النامية والناشئة.
منذ انطلاقه، لم يكن “أديبك” مجرد معرض متخصص في النفط والغاز، بل تحوّل إلى منصة متكاملة للابتكار والتحول في منظومة الطاقة العالمية. ويأتي “أديبك 2025” ليؤكد هذا الدور، جامعا أكثر من 2250 شركة من مختلف أنحاء العالم لاستعراض الحلول التكنولوجية والرقمية التي تسهم في تعزيز أمن الطاقة، وتقليل الانبعاثات، ودعم النمو الاقتصادي الشامل.
ويمتاز المؤتمر بتركيزه على التحول الذكي للطاقة، عبر دمج الذكاء الاصطناعي والتقنيات منخفضة الكربون في عمليات الإنتاج والنقل والاستهلاك، بما يتيح توفير طاقة نظيفة وموثوقة بأسعار معقولة لملايين البشر في الدول النامية، حيث لا يزال قرابة مليار شخص يفتقرون إلى الكهرباء.
أفكار تتحول إلى أفعال
يمثل “أديبك 2025” تجسيدًا عمليا لشعار “من الطموح إلى التنفيذ”، إذ تتحول فيه الرؤى إلى قصص نجاح ملموسة تعيد رسم المشهد الاقتصادي والاجتماعي في العديد من الدول.
فالمشاريع التي انبثقت عن دوراته السابقة أسهمت في خلق آلاف الوظائف الجديدة، ووفرت فرصا استثمارية مستدامة في مجالات الطاقة المتجددة والتقنيات الخضراء، ما انعكس مباشرة على تحسين الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه ونقل في المجتمعات النامية.
كما أن المبادرات المنبثقة عن المؤتمر مثل “اصنع في الإمارات” ساهمت في تأسيس 33 منشأة تصنيع جديدة في الإمارات خلال عام واحد فقط، ما أوجد نموذجا يحتذى به في تمكين الاقتصادات الناشئة من بناء صناعات محلية قائمة على الابتكار.
في دورة 2025، يبرز الذكاء الاصطناعي بوصفه الركيزة الأساسية للتحول في قطاع الطاقة. ففي “منطقة الذكاء الاصطناعي” داخل المعرض، تعرض ابتكارات غير مسبوقة، مثل الروبوت “H1” من “يونيتري” الأسرع والأكثر مرونة في العالم إلى جانب روبوتات متسلقة من “جيكو روبوتكس” لفحص البنى التحتية الحيوية، وغواصات ذكية من “IKM Subsea”، وطائرات تنظيف ذاتية من “SkyShine”، وأنظمة لتحلية المياه منخفضة الطاقة من “بيشتل”.
هذه التقنيات لا تُعد مجرد ابتكارات هندسية، بل حلولًا مباشرة لتحديات التنمية في الدول النامية، حيث تساهم في خفض تكاليف التشغيل، وتحسين كفاءة الموارد، وتقليل البصمة الكربونية.
الطاقة والتعليم
إحدى أبرز ملامح أديبك 2025 هي الاستثمار في العنصر البشري. فبرنامج “شباب أديبك”، الذي يدخل عامه الثالث عشر، يجمع أكثر من 1000 طالب من المدارس و400 من الجامعات لتعريفهم بفرص العمل في قطاع الطاقة، من خلال ورش وجلسات تفاعلية ومبادرات مبتكرة مثل “المبتكرون”.

تشارك جامعة أبوظبي بصفتها الشريك الأكاديمي الرسمي للبرنامج، وتعرض تحت مظلة “جامعة أبوظبي تبتكر” مشاريع طلابية في مجالات كفاءة الطاقة والاستدامة. ويعكس هذا التوجه رؤية الإمارات في تمكين الشباب ليكونوا رواد التحول الطاقوي القادم، ليس فقط كمستهلكين بل كمبدعين ومطوّرين للتقنيات.
لا يقتصر تأثير “أديبك” على المنطقة فحسب، بل يمتد إلى الجنوب العالمي حيث تتركز احتياجات الطاقة وفرص النمو. ففي جلسة “تعزيز نظام الطاقة في أفريقيا”، ناقش المشاركون أهمية توطين التمويل والاستثمار في القارة، مؤكدين أن مشاريع الطاقة الذكية قادرة على أن تكون قاطرة للتنمية الصناعية والاجتماعية.
من هنا، يتبنى “أديبك” نهجا يقوم على العدالة الطاقوية، أي ضمان حصول كل دولة وكل مجتمع على حقه في التنمية من خلال الطاقة المستدامة.
تحويل اللقاءات إلى استثمارات
من أبرز ما يميز “أديبك” هو قدرته على تحويل اللقاءات إلى استثمارات. فعلى هامش الدورة السابقة، أطلقت “أدنوك” و”مصدر” اتفاقية شراكة مع “مايكروسوفت” لتطوير مشاريع في مجالات الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة واحتجاز الكربون، ما يعزز التعاون بين التكنولوجيا والطاقة لخفض الانبعاثات.
كما أطلقت “برجيل القابضة” و”ريسپونس بلس ميديكال” جائزة الصحة والعافية للطاقة البشرية بقيمة مليون دولار لتشجيع مبادرات الرفاه الوظيفي في قطاع الطاقة، في خطوة تعكس الاهتمام المتزايد برأس المال البشري كجزء من استدامة النمو.

شهد “أديبك 2024” إطلاق مؤتمر التمويل والاستثمار في الطاقة، الذي ركز على توفير آليات تمويل ميسرة للمشاريع في الدول النامية. فالتحديات المالية – من ارتفاع تكاليف الاقتراض إلى ضعف التشريعات – تعد من أكبر معوقات النمو في الجنوب العالمي. لذا، يهدف المؤتمر إلى بناء جسور تمويلية تربط الشمال بالجنوب، وتحفز بنوك التنمية والمؤسسات الدولية على دعم مشاريع الطاقة النظيفة.
قصص نجاح واقعية
بفضل مبادرة “اصنع في الإمارات”، تم خلال العام الماضي افتتاح 16 منشأة جديدة في الإمارات، من بينها مصانع لتقنيات تحلية المياه والطاقة الشمسية. هذه المشاريع تمثل نموذجا عمليا لما يمكن أن تفعله الشراكات بين القطاعين العام والخاص عندما تُوجَّه نحو أهداف مستدامة.
كما عرضت دائرة الطاقة في أبوظبي خلال مشاركتها في أديبك مشاريعها في مجالات السلامة، والحوكمة، والذكاء الاصطناعي في مراقبة الغاز، ما يعزز أمن الطاقة وكفاءتها ويُظهر كيف يمكن للتنظيم الذكي أن يخلق بيئة داعمة للاستثمار والنمو.

من خلال مؤتمر الذكاء الاصطناعي المخصص للطاقة، ناقش قادة الصناعة كيف يمكن للتقنيات المتقدمة أن تسهم في خفض الانبعاثات وتحسين الكفاءة التشغيلية. وأكدت شركات كبرى مثل “توتال إنيرجيز” و”بتروناس” و”مايكروسوفت” أن المستقبل يعتمد على تحالف الإنسان والآلة لبناء قطاع طاقة أكثر ذكاءً وأقل ضررًا بالبيئة.
على مدى عقود، تحولت أبوظبي من مصدر للطاقة إلى منارة للتعاون العالمي في هذا القطاع. واليوم، يشكل “أديبك” واجهة هذا التحول، حيث تتقاطع التكنولوجيا مع السياسات، والابتكار مع التنمية، ليولد نموذج جديد لـ“طاقة من أجل الازدهار الإنساني”.
فمن تعليم الشباب إلى تطوير الذكاء الاصطناعي، ومن تمويل الجنوب العالمي إلى تصنيع الحلول المحلية، يبرهن “أديبك” أن الطاقة ليست سلعة اقتصادية فحسب، بل هي حق إنساني ومفتاح لمستقبل مزدهر للجميع.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=
جزيرة ام اند امز




