هل يُهدد الذكاء الاصطناعي بتغيير «السُلّم الوظيفي»؟

لطالما شكّلت حكايات الصعود من وظائف بسيطة إلى قمة الهرم الإداري جزءاً من روايات النجاح في عالم الأعمال.
شخصيات مثل أنطونيو نيري (Hewlett Packard Enterprise) ودوغ ماكميلون (Walmart) وماري بارا (General Motors) بدأوا من مراكز متواضعة مثل مراكز الاتصال أو خطوط التجميع، قبل أن يصعدوا إلى مناصبهم القيادية.
لكن في ظل الطفرة السريعة للذكاء الاصطناعي، بدأت تلك الحكايات الملهمة تواجه خطر الزوال. فوفقًا لشبكة CNBC، هناك مؤشرات واضحة على تغيّر شكل المسار الوظيفي التقليدي، بدءًا من الوظائف المبتدئة.
من جهته، قال داريو أمودي، الرئيس التنفيذي لشركة Anthropic، أن الذكاء الاصطناعي قد يُلغي ما يصل إلى 50% من هذه الوظائف، معتمدًا على قدرة الأنظمة الذكية على العمل لساعات طويلة دون توقف، وقدرتها المتزايدة على أداء مهام بشرية بكفاءة أعلى.
تراجع فرص الحصول على عمل
وإلى جانب الأتمتة، تشهد الشركات تحوّلات تنظيمية تتمثل في تقليص طبقات الإدارة الوسطى، ما يؤدي إلى “تسطيح” الهيكل الوظيفي. هذا التغيير يجعل من الصعب على الخريجين الجدد إيجاد موطئ قدم في بداية السلم الوظيفي.
وأظهر تقرير لشركة SignalFire انخفاضًا بنسبة 50% في فرص توظيف الخريجين الجدد بين عامي 2019 و2024 في كبرى شركات التكنولوجيا والشركات الناشئة. الوظائف الأساسية في التسويق، والهندسة، والموارد البشرية، وحتى الشؤون القانونية تأثرت بشدة.
ورغم هذا التراجع، ترى هيذر دوشي من SignalFire أن “الفرص لم تختفِ، لكنها أعادت تشكيل نفسها”. وتؤكد أن السلم الوظيفي لم ينكسر، بل تغيّر، إذ أصبحت الوظائف الأولية تتطلب مهارات متقدمة، خصوصًا في أدوات الذكاء الاصطناعي.
جيل جديد أمام تحديات غير مسبوقة
لم يعد يُتاح للخريجين تعلّم المهارات خلال العمل كما في السابق. بل يُفترض أن يمتلكوا الكفاءة التقنية منذ يومهم الأول. وتُشبه دوشي هذا التحدي بما واجهته أجيال سابقة حين اضطروا لتعلّم استخدام البريد الإلكتروني والإنترنت.
ومع أن الفترة الحالية صعبة، تشير “دوشي” إلى أن هذا التغيير قد يُحدث تحولًا جذريًا في كيفية تنمية المواهب وتطويرها داخل الشركات.
دور الجامعات
وبدأت بعض الجامعات الأمريكية بالتعاون مع شركات الذكاء الاصطناعي الكبرى لتعديل المناهج وتزويد الطلاب بمهارات تناسب السوق الجديد. إلا أن التحدي الحقيقي يبقى: كيف يُمكن للخريجين اكتساب “الخبرة” إذا لم تُمنح لهم فرصة البداية؟
أندرز هوملوم، أستاذ الاقتصاد بجامعة شيكاغو، يرى أن الذكاء الاصطناعي لم يُحدث بعد تأثيرًا كبيرًا على سوق العمل، رغم التوقعات. ويشير إلى أن الابتكارات الكبرى عادة ما تحتاج سنوات لتُظهر آثارها الحقيقية.
وهناك من يحذّر من سيناريو أكثر تشاؤمًا، حيث تُستبدل جميع الوظائف بالذكاء الاصطناعي. لكن حتى الآن، الفرصة لا تزال قائمة — وإن كانت قد تغيّرت ملامحها. فبدلاً من التسلق التقليدي، قد يصبح الوصول إلى القمة ممكنًا عبر مسارات جديدة، تعتمد على سرعة التعلّم، والمرونة، والقدرة على التكيف مع أدوات العصر.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز