تمدد إرهابي يدخل غرب مالي مرحلة حرجة من الخطر

في تحوّل مقلق على خارطة العنف في الساحل الأفريقي، يشهد تمدد الإرهاب في غرب مالي تصعيدًا يُدخل البلاد مرحلة حرجة.
وشهدت منطقة كايس، غرب مالي، التي طالما اعتُبرت منطقة مستقرة نسبيًا، سلسلة من الهجمات الإرهابية المنسقة وغير المسبوقة من حيث النطاق والتخطيط.
هذا التصعيد، الذي تبناه تنظيم “نصرة الإسلام والمسلمين” التابع لتنظيم القاعدة، يُعدّ مؤشراً على انتقال الجماعات الإرهابية إلى مرحلة جديدة من التمدد الجغرافي والعمليات النوعية، ويفتح تساؤلات ملحّة حول مدى جاهزية الدولة المالية وشركائها الإقليميين لاحتواء هذا الخطر الزاحف نحو الحدود السنغالية والموريتانية.
هجمات منسقة في غرب مالي: مرحلة جديدة في تمدد الإرهاب؟
في مطلع يوليو/تموز الماضي، تعرّضت منطقة كايس، التي كانت تُعتبر لفترة طويلة منطقة شبه محمية من التهديدات الأمنية، لسلسلة من الهجمات المنسقة وغير المسبوقة في حجمها، والمتزامنة، استهدفت عدة مواقع ومنشآت أمنية، بحسب موقع “ذا كونفرسيشن” الأكاديمي في نسخته الفرنسية.
وشملت الأهداف مقر إقامة حاكم كايس، وموقع الكتيبة العسكرية، ومركز شرطة الدائرة الثانية، إلى جانب نقاط حدودية في ديبولي (باتجاه السنغال) وغوغوي (باتجاه موريتانيا). كما نُفّذت هجمات أخرى في مدينة سنداري، التي تبعد 150 كلم عن كايس.
دلالات استراتيجية جديدة
ورأى باحثون مختصون في الأمن واستراتيجيات مكافحة الإرهاب في غرب أفريقيا أن هذه الهجمات تمثل نقطة تحوّل خطيرة، إذ تكشف عن تحوّل في الاستراتيجية الجغرافية للجماعات الإرهابية المسلحة في مالي.
استهداف مواقع حساسة بهذا الشكل المخطط يدلّ على تصاعد مستوى التنسيق العملياتي والقدرات اللوجستية لهذه الجماعات.
دوافع كامنة
ويهدف هذا التحرك، على ما يبدو، إلى توسيع النفوذ الجغرافي وصولًا إلى ساحل المحيط، حيث تسعى الجماعة الإرهابية، التي كانت تتركّز تاريخيًا في شمال ووسط مالي، إلى التمدد نحو الحدود مع السنغال وموريتانيا، مستغلةً الفراغات الأمنية والتهميش الاجتماعي والاقتصادي في تلك المناطق.
اختبار
وعبر استهداف منشآت عسكرية وإدارية في كايس ونيرو دو الساحل، أرادت الجماعة اختبار قدرة الجيش المالي (FAMa) على التنسيق والرد في منطقة تُعتبر حتى الآن آمنة نسبيًا.
وضرب مركز إقليمي رمزي مثل كايس يعكس رغبة التنظيم في إرسال رسالة قوية مفادها أن لا منطقة آمنة في مالي، وهو ما يُراد به أيضًا استقطاب مجندين جدد وإضعاف ثقة السكان بالحكومة.
ورغم أن الجيش المالي تمكّن من قتل أكثر من 80 إرهابيًا في الهجوم، إلا أن التحديات ما تزال قائمة، مثل ضعف الموارد البشرية والتقنية لدى الجيش، ونقص المعلومات الاستخباراتية، خاصة في المناطق الريفية، واستمرار المواجهة على جبهات متعددة في شمال البلاد.
ما المطلوب؟
خطط طوارئ شاملة، تشمل تحسين البنية الاستخباراتية وتنشيط قدرات الرد السريع، كذلك تعزيز التعاون الإقليمي من خلال تكثيف التنسيق بين مالي والسنغال وموريتانيا عبر دوريات مشتركة وحملات مدنية–عسكرية.
وأيضًا، ينبغي إجراء إصلاحات هيكلية تشمل تنمية الشباب، ومكافحة البطالة والتهميش، ومحاربة التمويل، بما في ذلك تطبيق توصيات مجموعة العمل المالي (GAFI) لمكافحة تمويل الإرهاب، وتطوير إطار قانوني يناسب خصوصية المناطق الساحلية.
رؤية تحليلية
من جانبه، اعتبر الدكتور محمدو كامارا، أستاذ الدراسات الأمنية بجامعة باماكو، في تصريح لـ”العين الإخبارية”، أن هجمات كايس الأخيرة تمثّل نقطة مفصلية في الاستراتيجية العملياتية للجماعات الإرهابية، التي انتقلت من أسلوب التمركز التقليدي في الشمال والوسط إلى نهج “الانتشار الأفقي” نحو الغرب.
ويرى أن استهداف مناطق حدودية يُعدّ خطوة ذكية لاستغلال الثغرات في التنسيق الإقليمي بين الدول الثلاث (مالي، السنغال، موريتانيا).
وأضاف: “لقد أصبحت هذه الجماعات أكثر قدرة على فهم الطبيعة الجيوسياسية والقبلية للمنطقة، ما يمنحها قدرة على التغلغل بدون الحاجة إلى صدام دائم. إن تكرار مثل هذه الهجمات سيساهم في تقويض المسار التنموي ويزيد من هشاشة النسيج الاجتماعي، ما يستدعي خطة أمنية شاملة لا تقتصر على المقاربة العسكرية فقط”.
بدوره، قال البروفيسور أمادو ديارا، مدير مركز أبحاث الساحل في السنغال، لـ”العين الإخبارية”، إن الهجوم يحمل دلالات استراتيجية تتعدّى مالي، موضحًا أن التنظيم الإرهابي بات يطبّق نظرية “التطويق المزدوج”، حيث يتقدّم من مناطق المركز نحو الهامش لإرباك منظومة الدولة، ثم يزحف عبر الحدود ليخلق تأثيرًا إقليميًا.
وأكد ديارا أن “الخطر الآن لا يكمن فقط في التمدد الجغرافي، بل في التمدد الذهني، حيث تزداد قدرة هذه الجماعات على استقطاب الشباب من خلال خطاب الهوية والتمكين، في ظل فشل مؤسسات الدولة”.
وشدّد على ضرورة أن نولي أهمية أكبر لمراقبة الخطاب الدعوي في المناطق الريفية والمهملة، إذ بات يشكّل البوابة الأولى لتجنيد العقول قبل الأجساد.
كما حذر من أن عجز دول الساحل عن بناء مقاربة موحدة وسريعة قد يؤدي إلى فوضى تتجاوز السيطرة الأمنية، ويقترح إنشاء قوة استجابة أمنية عابرة للحدود، بتمويل مشترك من الدول المتضررة والداعمين الدوليين.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز