«جبهة إخوان تونس» بالخارج.. «مولود ميت» في معركة خاسرة لاستعادة السلطة

في محاولة جديدة للالتفاف على المشهد السياسي التونسي والعودة إلى دائرة النفوذ، كشفت تحركات قادتها في الخارج عن مسعى إخواني منظم لإعادة تجميع الصفوف بعد السقوط المدوي في الداخل.
فالعاصمة الفرنسية باريس تحوّلت مجددًا إلى منصة لإطلاق مبادرات سياسية تحمل في ظاهرها شعارات «الإنقاذ» و«الدفاع عن الحقوق»، بينما تخفي في جوهرها مشروعًا واضحًا لاستعادة السلطة المفقودة.
فقد دعت قيادات محسوبة على جماعة الإخوان وحلفائها، خلال اجتماع عقد، الأحد، في باريس، إلى تشكيل «جبهة سياسية لمقاومة حكم الرئيس قيس سعيّد»، على أن يتزعمها رئيس الحكومة التونسية السابق هشام المشيشي، المعروف بتحالفه السياسي مع حركة النهضة خلال فترة توليه رئاسة الحكومة.
الاجتماع، الذي ضم وزراء ونوابًا سابقين ونشطاء يمثلون أطيافًا حزبية عُرفت بقربها من الإخوان، قدّم توصيفًا قاتمًا للوضع السياسي والحقوقي والاجتماعي في تونس، واعتبر أن «العمل المعارض الكلاسيكي لم يعد مجديًا»، في تلميح إلى تبني أساليب ضغط جديدة من خارج البلاد.
خطاب «الإنقاذ» وهدف واحد: الإفراج عن الغنوشي
ورغم لغة التحذير من «الخطر الداهم»، فإن البيان الصادر عن المجتمعين سرعان ما كشف جوهر التحرك، عبر المطالبة بإطلاق سراح الموقوفين، وفي مقدمتهم رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، واعتبار المحاكمات التي طالت قيادات إخوانية «ظالمة»، متجاهلين ثقل الملفات القضائية المتعلقة بالإرهاب والفساد والتآمر على الدولة.
وضم الاجتماع شخصيات معروفة في المشهد الإخواني وما حوله، من بينهم البرلماني الإخواني السابق عامر العريض، ووزيرة المرأة السابقة والقيادية السابقة بحزب المنصف المرزوقي سهام بادي، وعميد المحامين السابق عبد الرزاق الكيلاني، إلى جانب نور الدين بن نتيشة، المستشار السابق للرئيس التونسي الراحل الباجي قايد السبسي.
وأكد هشام المشيشي، في تصريحات إعلامية لاحقة، أن هذه المبادرة تهدف إلى «تجميع الطيف السياسي والحقوقي المعارض للرئيس قيس سعيّد»، في محاولة لتقديم نفسه قائدًا لجبهة واسعة، رغم وجوده خارج البلاد وافتقاره لأي امتداد شعبي في الداخل.
«معارضة» من المنفى.. وقيادة بلا شرعية
ويرى مراقبون أن هذه التحركات ليست سوى حلقة جديدة في سلسلة محاولات الإخوان للعودة إلى السلطة «بأي ثمن»، بعد أن لفظهم الشارع التونسي عقب سنوات من الحكم اتسمت بالفشل السياسي والانهيار الاقتصادي وتفشي الإرهاب.
وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي التونسي خالد بالطاهر إن هشام المشيشي، الذي وصفه بـ«حليف الإخوان»، يقود اليوم معارضة في المهجر، مؤكدًا أن «من يمارس السياسة يجب أن يمارسها داخل تونس لا من خارجها».
وأضاف بالطاهر، في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن الرئيس قيس سعيّد عندما عيّن المشيشي رئيسًا للحكومة، كان يسعى إلى إقامة حاجز يمنع حركة النهضة من اختراق الجهاز التنفيذي، وقطع الطريق أمام راشد الغنوشي، الذي كان يبحث عن أي منفذ لإسقاط الرئيس.
وأوضح أن المشيشي، الذي بدأ مستشارًا لسعيّد خلال حملته الانتخابية عام 2019، «سرعان ما انقلب على الرئيس وتحالف مع النهضة وحلفائها، معتقدًا أن قيس سعيّد هو الحلقة الأضعف، وأن الإخوان قادرون على حمايته سياسيًا».
قراءة خاطئة.. ونهاية سياسية
وتابع بالطاهر أن قراءة المشيشي لموازين القوى كانت «خاطئة تمامًا»، وأن هذا الرهان كلفه نهايته السياسية، مضيفًا أن فرص نجاحه في قيادة معارضة من الخارج «ضعيفة للغاية»، في ظل غياب أي احتكاك مباشر مع الشارع التونسي.
واعتبر أن الجبهة التي يُروَّج لها في باريس «وُلدت ميتة»، لأن رموزها معروفة لدى التونسيين بفشلهم خلال توليهم مناصب في الدولة، ولأن هدفهم الحقيقي لا يتجاوز «افتكاك السلطة» دون امتلاك أي عمق شعبي.
وأكد أن هؤلاء السياسيين لا يملكون رصيدًا جماهيريًا، بسبب ما خلّفوه من أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية خلال فترة حكمهم، وهو ما يجعل محاولاتهم الحالية مجرد تحركات معزولة عن الواقع التونسي.
من هو هشام المشيشي؟
تولى هشام المشيشي رئاسة الحكومة التونسية في 2 سبتمبر/أيلول 2020، واستمر في منصبه حتى 25 يوليو/تموز 2021، حين أعلن الرئيس قيس سعيّد الإجراءات الاستثنائية، التي شملت تجميد عمل البرلمان الذي كان يرأسه راشد الغنوشي، وإقالة الحكومة، وإيقاف العمل بالدستور.
والمشيشي، المولود عام 1974، هو رجل قانون، شغل منصب مستشار للرئيس قيس سعيّد عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2019.
ويحمل عدة شهادات أكاديمية، من بينها شهادة جامعية في الحقوق والعلوم السياسية، وشهادة ختم الدراسات العليا بالمدرسة التونسية للإدارة، إلى جانب ماجستير في الإدارة العمومية من المدرسة الوطنية للإدارة في ستراسبورغ بفرنسا.
وتحاول قيادات إخوانية إعادة تصدير نفسها كبديل سياسي من الخارج، في مشهد يعكس حجم المأزق الذي تعيشه الجماعة وحلفاؤها، بعد أن أُغلقت أمامهم الساحة الداخلية، وباتوا يراهنون على الضغط الخارجي والتحريض السياسي بدل الاحتكام لإرادة التونسيين.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز




