الاقتصاد العالمي في 2025.. رهن حمائية ترامب

شهد عام 2025 عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهو حدث ترك أثراً مباشراً على النظام الاقتصادي والجيوسياسي العالمي.
جاءت هذه العودة في سياق سياسي داخلي مشحون، رافقته خطوات واضحة لإعادة تعريف دور الولايات المتحدة في العالم، وشملت هذه الخطوات مراجعة الاتفاقيات التجارية، والتشكيك في الالتزامات السابقة، وتبني نهج أكثر تشدداً في الملفات المتعلقة بالعولمة والهجرة وسلاسل التوريد.
لم يكن هذا التحول مجرد تغيير في الأشخاص، بل شكل انتقالاً إلى سياسة اقتصادية أكثر حمائية، أثارت القلق في الأسواق العالمية، ودفع العديد من الدول التي تعتمد على السوق الأمريكي إلى إعادة ترتيب أولوياتها الاقتصادية واستراتيجياتها التجارية.
“يوم التحرير”
في أبريل/نيسان 2025، شهد العالم ما عرف بـ”يوم التحرير”، حين أعلنت الإدارة الأمريكية فرض حزمة واسعة من التعريفات الجمركية على واردات رئيسية من الصين وأوروبا ودول أخرى، ما أثر مباشرة على العلاقات الثنائية وأسواق المال، حيث شهدت الأسهم، خصوصاً أسهم التكنولوجيا والرقائق، تراجعاً حاداً.
وردت الدول المتأثرة بفرض تعريفات مضادة، ما أدى إلى توتر تجاري متصاعد وإعادة تسعير السلع عالمياً، وتزايد مخاطر التضخم. وشكل هذا اليوم نقطة تحول جعلت الولايات المتحدة تتجه نحو سياسة حمائية أشد، بينما بدأ العالم يبحث عن مسارات بديلة لتخفيف الاعتماد على السوق الأمريكي.
قيود الصين وصدام التكنولوجيا
في منتصف العام، أعلنت الصين فرض قيود على تصدير المعادن النادرة المستخدمة في الصناعات التكنولوجية والعسكرية الأمريكية، ما كشف حجم الاعتماد الأمريكي على المواد الخام الصينية. وأدى هذا القرار إلى اضطرابات في المصانع الأمريكية وزيادة التكاليف، ما دفع واشنطن للبحث عن مصادر بديلة، عبر استثمارات في أفريقيا وغرينلاند وتفاوض مع دول أخرى.
مع ذلك، تبين أن تعويض القدرة الإنتاجية الصينية ليس أمراً سريعاً، فدخلت الولايات المتحدة في هدنة مؤقتة مع الصين، توصف بأنها “هشة”، تعتمد أكثر على الضرورات الاقتصادية من أي تفاهم استراتيجي طويل المدى.
تأثير الحرب التجارية على الاقتصاد العالمي
شهد الاقتصاد الأمريكي خلال 2025 تباطؤاً ملحوظاً، انعكس في مؤشرات عدة مثل انخفاض ثقة المستهلك، وتباطؤ التوظيف، وزيادة تسريحات العمالة. وارتفعت أسعار البقالة والسلع الأساسية، وزادت ضغوط الديون على الأسر، التي تجاوزت 17.5 تريليون دولار، إضافة إلى ديون الطلاب البالغة نحو 1.77 تريليون دولار.
وفي أوروبا، انكمش الاقتصاد السويسري في الربع الثالث بشكل كبير بسبب انخفاض إنتاج الصناعات الكيميائية والصيدلانية نتيجة لتقلبات التجارة الخارجية المرتبطة بالرسوم الجمركية الأمريكية. أما في آسيا، سجل الاقتصاد الياباني انكماشاً أيضاً نتيجة انخفاض الصادرات والاستثمارات الخاصة، بينما في أمريكا الشمالية، شهدت المكسيك وكندا تراجعاً في نشاط قطاع التصنيع وفقدان وظائف عديدة.
وفي أمريكا الجنوبية، تعرضت البرازيل لضربة اقتصادية قوية بسبب الرسوم الجمركية الأمريكية على صادرات البن، حيث بلغت التعريفة 50% بين أغسطس/آب ونوفمبر/تشرين الثاني، ما قلص واردات الولايات المتحدة من البن البرازيلي إلى النصف مقارنة بالعام الماضي، وساهم في تراجع مبيعات البن بنسبة 32.2% على أساس سنوي.
وتمثل صناعة البن والأنشطة المرتبطة بها نحو 1.8% من الناتج المحلي للبرازيل، بينما توظف حوالي 3% من القوى العاملة، بما في ذلك الوظائف الموسمية وغير المباشرة، ما جعل هذه الضربة تشكل تحدياً اقتصادياً واجتماعياً كبيراً.
الأسواق المالية والديون
شهدت أسواق السندات العالمية تقلبات حادة انعكست على الاقتصادات الكبرى، حيث ارتفعت العوائد في الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا وفرنسا، ما أظهر أن أسواق السندات لم تعد مجرد انعكاس لسياسات البنوك المركزية، بل أصبحت مرآة للمخاطر الاقتصادية والجيوسياسية.
وفي اليابان، سجلت علاوات المخاطر على السندات أعلى مستوى منذ 2008 نتيجة المخاوف بشأن التضخم وارتفاع حجم الدين العام. وفي الولايات المتحدة، ارتفع إجمالي الدين العام إلى نحو 38 تريليون دولار، مع تكاليف خدمة دين تجاوزت 1.2 تريليون دولار، ما زاد الضغوط على السياسة المالية والنقدية.
وأدت السياسات الأمريكية الحمائية إلى إعادة تقييم العديد من الدول لعلاقاتها مع واشنطن، ما دفع بعض الحلفاء إلى تعزيز علاقاتهم مع الصين والهند وروسيا، والانضمام إلى مجموعات مثل البريكس والآسيان، وشمل هذا التحول المستثمرين الذين أعادوا تقييم محافظهم الاستثمارية، متجهين نحو الذهب والأصول الدفاعية والأدوات الأقل خطورة.
امتصاص الصدمات
رغم الضغوط، أظهر الاقتصاد العالمي قدرة ملحوظة على التكيف، فقد استفادت الصين من سيطرتها على سلاسل التوريد لتعزيز صادراتها إلى أسواق بديلة، مع تطوير الابتكار ونموذج ذكاء اصطناعي منخفض التكلفة. كما لجأت حكومات عدة إلى زيادة الإنفاق العام وإطلاق إصلاحات اقتصادية لتخفيف آثار سياسة “أمريكا أولاً”.
وفي الولايات المتحدة، نجحت الشركات في امتصاص الصدمات عبر بناء مخزونات، التحول إلى موردين محليين، وخفض التكاليف، بالإضافة إلى زيادة استثمارات الذكاء الاصطناعي وتقنيات المعلومات، ما ساهم في دعم النشاط الاقتصادي.
وأظهرت الصين أداء قوياً على صعيد النمو والتكنولوجيا، رغم القيود التجارية والتهديدات الأمريكية، وسيطرت بكين على سلاسل توريد المعادن النادرة، وحققت تقدماً كبيراً في الطاقة النظيفة، السيارات الكهربائية، والروبوتات. ورغم ذلك، تواجه تحديات مثل الأزمة العقارية، الشيخوخة السكانية، وخطر الوقوع في “فخ الدخل المتوسط”.
الرهان على انهيار الصين لم يعد واقعياً، وأنها أصبحت خصماً قوياً يسعى لتوسيع مزاياه الاقتصادية والتكنولوجية، بينما الولايات المتحدة تواجه قيوداً على قدرتها في الضغط على الصين، بحسب وكالة بلومبرغ.

توقعات الاقتصاد العالمي في 2026
مع دخول عام 2026، تبدو الأسواق العالمية أمام تحديات متعددة، تشمل الحروب التجارية، والتقلبات في قطاع التكنولوجيا، الديون المرتفعة، والتوترات الجيوسياسية. ورغم ذلك، أظهرت السنوات الأخيرة قدرة الاقتصاد العالمي على التكيف وامتصاص الصدمات، مع تعزيز التحالفات البديلة وتوسع الابتكار التكنولوجي.
ويقول أستاذ الاقتصاد الدولي، كريم العمدة، إن عام 2025 شهد تحولات اقتصادية وجيوسياسية كبيرة، أثرت على سلوك المستثمرين والدول على حد سواء، وجعلت البيئة الاقتصادية العالمية تختلف جذرياً عن العقدين الماضيين.
ويضيف العمدة لـ”العين الإخبارية”، إن عودة ترامب وتوسع سياساته الحمائية وتصاعد التوترات الجيوسياسية دفعت الدول لاتخاذ خطوات احترازية مبكرة، من بينها تنويع الشراكات الاقتصادية وإعادة تشكيل التحالفات الاستراتيجية، بعد أن أدركت أن الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة يحمل مخاطر متزايدة.
ويشير إلى أنه للمرة الأولى منذ سنوات طويلة، بدأت دول حليفة لواشنطن البحث عن موازنة علاقاتها، فتعززت روابطها مع المعسكر الشرقي عبر مجموعات مثل البريكس والآسيان، أو من خلال شراكات ثنائية مع الصين والهند وروسيا، في تحول يعكس إدراكاً متزايداً نحو تعددية حقيقية في مصادر القوة العالمية.
ويلفت إلى أن المستثمرين أعادوا تقييم رؤيتهم للأسواق، وزاد الطلب على الذهب والأصول الدفاعية والأدوات منخفضة المخاطر، بينما اتجهوا نحو محافظ أكثر توازناً، لتقليل الاعتماد على الأصول عالية الحساسية للتقلبات، مؤكداً أنه رغم هذه التغيرات، لم يشهد 2025 حلولاً للتحديات الكبرى، إذ استمرت الحروب التجارية وملفات الطاقة والتضخم والديون، بينما ظلت أسواق السندات مهددة باضطرابات غير مسبوقة.
ويذكر أن المؤشرات تشير إلى أن عام 2026 سيكون مليئاً بالتقلبات، ليس بسبب أزمات جديدة، بل نتيجة تراكم أزمات 2025 وترحيلها، ما يجعل من العام المقبل حاسماً في تحديد اتجاه النظام الاقتصادي العالمي.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز





