اسعار واسواق

تحالف اقتصادي «صيني باكستاني» محتمل.. هل يجب أن تقلق الهند؟


رسخت الهند مكانتها كقوة إقليمية صلبة، لكنها تواجه تحديات دبلوماسية متنامية مع محاولات إنشاء منظمة إقليمية جديدة بقيادة الصين وباكستان.

ووفقا لتحليل نشرته مجلة فورين بولسي، تعكس الدعوات الأخيرة لتأسيس تكتل إقليمي جديد يضم باكستان وبنغلاديش والصين تحوّلًا لافتًا في التفكير الاقتصادي والسياسي داخل جنوب آسيا، في منطقة لطالما عانت من ضعف التكامل التجاري وتواضع شبكات الربط الإقليمي.

فإعادة طرح هذه الفكرة، التي أُثيرت خلال اجتماع ثلاثي في الصين ثم جرى التأكيد عليها في دكا، لا يمكن فصلها عن حالة الشلل التي أصابت رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي «سارك»، ولا عن المتغيرات الاقتصادية التي تدفع بعض الدول للبحث عن أطر بديلة أكثر فاعلية.

ومنذ تأسيس «سارك» في ثمانينيات القرن الماضي، كان أحد أهدافها الرئيسية تعزيز التجارة البينية والتكامل الاقتصادي. غير أن الخلافات السياسية، خصوصًا بين الهند وباكستان، حدّت من قدرتها على تحقيق اختراق حقيقي. ونتيجة لذلك، ظل حجم التجارة داخل جنوب آسيا من بين الأدنى عالميًا مقارنة بإمكانات المنطقة، ما دفع الدول الأصغر إلى البحث عن مسارات اقتصادية خارج الإطار التقليدي.

الصين شريك مهم

وفي هذا السياق، تبرز الصين بوصفها شريكًا اقتصاديًا جاذبًا. فبكين تمتلك قدرات مالية واستثمارية ضخمة، إلى جانب خبرة واسعة في تمويل البنية التحتية وربط الأسواق عبر شبكات النقل والطاقة.

وبالنسبة لباكستان وبنغلاديش، يمثل الانخراط في إطار إقليمي تدعمه الصين فرصة لتعزيز تدفقات الاستثمار، وتحسين الربط اللوجستي، وتوسيع الصادرات، بعيدًا عن القيود السياسية التي عطّلت التعاون الاقتصادي داخل «سارك».

كما أن بنغلاديش، التي حققت نموًا صناعيًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، تسعى إلى تنويع شراكاتها الاقتصادية وتوسيع أسواقها، لا سيما في قطاعات التصنيع الخفيف والمنسوجات.

أما باكستان، التي تواجه تحديات مالية وهيكلية مزمنة، فترى في أي تكتل اقتصادي جديد نافذة محتملة لجذب الاستثمارات وتحسين وضعها التجاري. وفي الحالتين، تشكل الصين عنصر الثقل القادر على توفير التمويل والخبرة وربط هذه الاقتصادات بسلاسل قيمة أوسع.

في المقابل، تنظر الهند إلى هذه التحركات بقلق متزايد، ليس فقط من زاوية جيوسياسية، بل أيضًا من منظور اقتصادي. فاستبعادها من أي إطار إقليمي جديد قد يعني تراجع نفوذها التجاري في محيطها المباشر، وتحول جيرانها نحو أسواق بديلة وشركاء آخرين. كما أن قيام محور اقتصادي يضم الصين وباكستان وبنغلاديش قد يعيد توجيه مسارات التجارة والاستثمار في المنطقة، على حساب الدور الهندي التقليدي.

عزل الهند؟

تأثير ذلك لن يقتصر على العلاقات الإقليمية فحسب، بل يمتد إلى الأمن القومي الهندي. فقد أقامت الصين وباكستان شراكة أمنية قوية على مر السنين، وتعاونتا في مناسبات عدة ضد الهند، كما حدث خلال أزمة مايو الأخيرة. وعليه، فإن إنشاء تكتل يضم الصين وباكستان وبنغلاديش قد يعمق العزلة الهندية ويزيد من المخاطر الأمنية على حدودها.

لذلك، من الضروري أن تعمل نيودلهي على تعزيز علاقاتها مع الدول الأصغر في جنوب آسيا من خلال معالجة المخاوف التي تقلل من التعاون الثنائي، مثل السياسات التجارية التي تعتبر غير مرنة. كما يتعين على الهند صياغة استراتيجية دبلوماسية سريعة وفعالة لمعالجة مخاوف جيرانها، سواء كانت حقيقية أم متخيلة، لضمان استمرار نفوذها الإقليمي.

وفي ظل هذه الظروف، تواجه الهند اختبارًا مزدوجًا: الحفاظ على حضورها وتأثيرها في جنوب آسيا، وفي الوقت نفسه تفادي عزلة محتملة أمام تحالف صيني-باكستاني محتمل. ولا يتطلب الأمر فقط قوة اقتصادية أو عسكرية، بل حاجة ملحة لاستراتيجية دبلوماسية دقيقة وسريعة لضمان استمرار الهند كلاعب رئيسي في الساحة الإقليمية.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى