من روما إلى باريس.. كيف قلبت ميلوني معادلة النفوذ الأوروبي؟

اعتبرت صحيفة “لوموند” الفرنسية أن هناك تنافسًا فرنسيًا-إيطاليًا مستمرًا يتجدد في نهاية عام 2025، مع ملاحظة انعكاس الأدوار بين البلدين.
وبحسب الصحيفة الفرنسية فإن إيطاليا، المرتبطة تاريخيًا بالاضطرابات السياسية، قد صارت تدار من قبل حكومة مستقرة يقودها تحالف متماسك برئاسة زعيمة تيار أقصى اليمين، جورجيا ميلوني، بينما تواجه فرنسا سلسلة أزمات سياسية واقتصادية متلاحقة.
وتستغل ميلوني في خطابها الصعوبات التي تواجهها فرنسا لإبراز نجاح سياستها، وتطرح نفسها نموذجًا يحتذى به لبعض قوى أقصى اليمين في فرنسا.
وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن هذا التوجه يعكس رؤية ميلوني لإيطاليا كقوة عصرية مستقلة وقادرة على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، فيما تعيش فرنسا سلسلة أزمات سياسية واقتصادية متتالية، بحسب مراقبين ومحللين.
ووفقاً للصحيفة الفرنسية فإن رئيسة الوزراء الإيطالية تستغل في خطابها الصعوبات التي تواجهها باريس لتسليط الضوء على نجاحات سياستها، وتحاول تقديم نفسها نموذجًا يُحتذى به لأجزاء من تيار أقصى اليمين بفرنسا.
وأوضحت “لوموند” أنه بعد 3 سنوات من توليها السلطة، تحافظ ميلوني على نوايا تصويت تتجاوز 30%، وتتمثل حكومتها، التي تتسم باتجاهات غير ليبرالية، في واحدة من أطول الحكومات استقرارًا في تاريخ إيطاليا، بينما تتوالى الأزمات السياسية في فرنسا.
ورأت أن الأمر نفسه ينطبق على الوضع المالي، فبينما تكافح إيطاليا منذ الثمانينيات مع دين ضخم نسبته 135% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024 وعجز عام حد من ثقة الأسواق، نجح حكومة ميلوني في خفضه إلى 3.4% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024.
كما رفعت وكالات التصنيف الائتماني تصنيف إيطاليا رغم ضعف بنيتها، بينما خفضت وكالة فيتش وستاندرد آند بورز تصنيف فرنسا.
وفي الوقت الذي تواصل فيه باريس تراجعها في إفريقيا، انطلقت ميلوني في مسعى دبلوماسي طموح تجاه القارة، شملت وعودًا بالمساعدة ومكافحة الهجرة غير الشرعية، وهو خطة تتوسع تدريجيًا.
وتفتح هذه المقارنة المديح فصلًا جديدًا في مواجهة تاريخية تميز العلاقات بين البلدين، ففي جنوب جبال الألب، يُنظر إلى التنافس بين فرنسا وإيطاليا، المرتبط بالهيمنة التي مورست بصورة غير عادلة من قبل باريس، كأمر مسلم به، بينما في فرنسا غالبًا ما يُتجاهل.
ويظهر استطلاع رأي أجراه معهد “إبسوس” للدراسات الرأي العام، أنه بينما يشعر 60% من الفرنسيين بالتعاطف مع إيطاليا، فإن 30% فقط من الإيطاليين يبادلونهم الشعور نفسه، مع تسجيل 20% منهم معارضة صريحة، بسبب شعور بالإكراه أو الغطرسة الفرنسية، رغم القرب الثقافي بين البلدين.
وأجري الاستطلاع في 26 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي خلال “الحوار الفرنسي-الإيطالي من أجل أوروبا” بجامعة لويس-جودو كارلي في روما بالشراكة مع العلوم السياسية.
من جانبه، قال جان بيير دارنيس، أستاذ في جامعة كوت دازور ومسؤول برنامج الماجستير في العلاقات الفرنسية-الإيطالية: “تقدم الرواية الوطنية الإيطالية صورة سلبية عن فرنسا في القرن التاسع عشر، حين كان نابليون الأول ونابليون الثالث يتلاعبان بوحدة إيطاليا”، موضحاً أن الرغبة الإيطالية التي طال انتظارها، منذ تأسيس إيطاليا عام 1861، في أن تكون مؤثرة بين الأمم، غذت شعورًا بالمنافسة”، بحسب صحيفة “لوموند” الفرنسية.
وأضاف أن الإيطاليين يتذكرون الحملات المدمرة لفرانسوا الأول في شمال إيطاليا، والنهب النابليوني، والهيمنة المفترضة للشركات الفرنسية على الشركات الإيطالية، بينما يتجاهل الفرنسيون هذه النقاط، معتبرين إيطاليا بلدًا صديقًا ومرحّبًا، متناسين أنها القوة الصناعية الثانية في أوروبا.
بدوره، قال أنطونيو فارسوري، أستاذ تاريخ بناء الاتحاد الأوروبي في بادوفا: “يشعر الإيطاليون بأنهم يُعاملون كأقلية، أما ضعف فرنسا الحالي فيتيح فرصة لبناء علاقة متكافئة”.
وأضاف أن ميلوني، التي تنتمي إلى تيار قومي، ترى فرنسا كجار له أحيانًا أهداف معادية، موضحا ً أن سيرتها الذاتية جزئيًا تفسر هذا المنظور، فإنه في عام 2011 كان صادمًا لميلوني، إذ كانت تشغل أول منصب وزاري لها في حكومة سيلفيو برلسكوني، وسخرت منها فرنسا عبر الرئيس نيكولا ساركوزي”.
واضطر الوضع المالي ميلوني لمغادرة الوزارة لصالح حكومة تقنية، وكان يُنظر لهذه الخطوة على أنها بتوجيه من بروكسل عبر ألمانيا وفرنسا، بحسب لورنزو كاستيلاني، أستاذ تاريخ المؤسسات السياسية بجامعة لويس-جودو كارلي ومتخصص في اليمين الإيطالي.
وأضاف كاستيلاني إلى ذلك، التدخل الفرنسي-البريطاني في ليبيا، المستعمرة السابقة لإيطاليا، الذي أسقط نظام معمر القذافي، فحرمت إيطاليا من حليف وفتحت الطريق لهجرات جديدة.
وتسعى الدبلوماسيتان (إيطاليا وفرنسا) لعقد قمة ثنائية في ربيع 2026 لتجاوز الأزمات السابقة، رغم ذلك، يظل حضور ميلوني، وسط هجومها على الصحافة والعدالة، حاضرًا في الحياة السياسية الفرنسية.
فقد شكلت سابقة في 20 سبتمبر/أيلول عندما تدخلت عن بعد في اجتماع لحليفتها الفرنسية ماريون ماريشال، عضو حزبها وأوروبياً، ومع وفد من أربعة نواب أوروبيين، ينتمي حزبها “الهوية والحريات” إلى مجموعة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين، ونجحوا في فرض مواضيعهم في أوروبا، خاصة الهجرة.
واستعرضت ميلوني نفسها كزعيمة ودفعت نحو “اتحاد اليمين” داخل الدول الأعضاء، وهو مفهوم يتقدم تدريجيًا في فرنسا.
وفي خطابها، صورت ميلوني إيطاليا وقد استعادت مكانتها في العالم، مما يعكس صورة قوة واضحة، وهي صورة تستحضر لدى اليمين الفرنسي المتطرف ما تعتبره فرنسا فقدته
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز




