رواندا والكونغو.. اتفاقية سلام تاريخية في واشنطن برعاية ترامب

تتهيّأ العاصمة الأمريكية واشنطن لاستضافة حدث دبلوماسي بارز يحمل ثقله على مستقبل منطقة البحيرات العظمى في أفريقيا.
حيث يستقبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الخميس، رئيسَي رواندا بول كاغامي والكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي لتوقيع «اتفاقية السلام التاريخية» بين البلدين.
الإعلان الرسمي جاء على لسان المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت، التي أكدت أن الاتفاق هو حصيلة وساطة أمريكية مباشرة استمرت أشهراً داخل واشنطن منذ نهاية يونيو/حزيران، ووصفت التوصل إليه بأنه إنجاز دبلوماسي كبير يهدف إلى إنهاء صراع دموي مزمن يمتد لأكثر من ثلاثين عاماً.
نزاع معقّد يمتد لعقود
ويتمركز النزاع بين الكونغو الديمقراطية ورواندا في شرق الكونغو، وهي منطقة حدودية غنية بالثروات الطبيعية لكنّها غارقة في الصراعات المتواصلة منذ التسعينيات، مع توسع نشاط الجماعات المسلحة وتداخل نفوذ قوى إقليمية، في مقدمتها رواندا.
ومع بداية يناير/كانون الثاني من العام الجاري، تفاقم الوضع بشكل ملحوظ بعد سيطرة حركة «إم 23» المسلحة التي تتهمها الكونغو بأنها مدعومة من رواندا على مدينتي غوما وبوكافو—وهما من أهم المراكز الحضرية في شرق الكونغو—ما أدى إلى موجة جديدة من التوترات والاتهامات بين الجانبين بشأن انتهاك السيادة والدعم العسكري.
موقف الكونغو
وفي كينشاسا، أكدت المتحدثة باسم الرئيس فيليكس تشيسكيدي، تينا سلاما، أن الرئيس سيتوجه إلى واشنطن «لإبرام اتفاق السلام مع رواندا» رسميًا.
وأوضحت أن توقيع الاتفاق سيشمل أيضًا تفاهمات أوسع تتعلق بالتكامل الإقليمي، وهو مشروع يسعى له تشيسكيدي منذ توليه السلطة لتعزيز التعاون الاقتصادي والأمني في المنطقة.
لكنها شددت على أن احترام سيادة الكونغو الديمقراطية كان شرطًا أساسيًا للرئيس، مشيرة إلى أن تنفيذ الاتفاق يستلزم «انسحاب القوات الرواندية من الأراضي الكونغولية وإعادة بناء الثقة بين البلدين».
تأكيد رواندي على الالتزام
ومن الجانب الرواندي، أكّد وزير الخارجية أوليفييه ندوهونجيريهي لوكالة فرانس برس أن الرئيس بول كاغامي سيزور واشنطن للمشاركة في مراسم التوقيع، مؤكداً رسميًا التزام رواندا بما تم الاتفاق عليه.
ويأتي ذلك بعدما اتهم كاغامي قبل أسبوع فقط السلطات الكونغولية بتأخير التوقيع رغم التقدم المحرز في المحادثات، في مؤشر على استمرار التوتر السياسي بين الجانبين حتى اللحظة الأخيرة.
هشاشة الوضع الميداني
ورغم المسار الدبلوماسي الذي تعزّز في النصف الثاني من 2025، ظل الوضع الميداني هشًا؛ إذ تبادل الجيش الكونغولي وحركة «إم 23» الاتهامات المتكررة بانتهاك وقف إطلاق النار خلال الشهور الماضية، وهو ما جعل تنفيذ أي اتفاق لاحق رهينة التطورات العسكرية على الأرض.
وفي بداية نوفمبر/تشرين الثاني، اعترف الجانبان بعدم إحراز تقدم فعلي، لكنهما تعهّدا «بمضاعفة الجهود لتنفيذ اتفاقية السلام بواشنطن» وفق بيان مشترك صدر عن وزارة الخارجية الأمريكية، التي لعبت دورًا محوريًا في تقريب وجهات النظر وتهدئة الجبهات الساخنة.
خطوات تمهيدية
ومنتصف نوفمبر/تشرين الثاني، شهدت الدوحة تقدّمًا موازيًا على المسار نفسه، إذ وقّعت كينشاسا وحركة «إم 23» خارطة طريق تمهيدية لاتفاقية سلام جديدة تخص شرق الكونغو الديمقراطية.
الخطوة اعتُبرت داعمة للجهود الأمريكية، خاصة أنها جاءت بعد أسابيع من محاولات حثيثة لتثبيت وقف إطلاق النار وتخفيف التصعيد في المناطق المشتعلة.
وقد رأت مصادر دبلوماسية في هذه الخارطة خطوة لبناء الثقة بين الطرفين، رغم أن تطبيقها على الأرض لا يزال مرهونًا بما سيصدر عن قمة واشنطن.
تحول دبلوماسي
وتمثل اتفاقية السلام التي ستوقّع الخميس في واشنطن تطورًا مفصليًا في العلاقات بين رواندا والكونغو، إذ إنها المرة الأولى منذ سنوات طويلة التي يلتقي فيها قادة البلدين تحت رعاية دولية لبحث حلول جذرية للنزاع، بعد عقود من الاتهامات المتبادلة والتدخلات العسكرية والصراعات بالوكالة.
كما تأتي الاتفاقية في وقت تحاول فيه واشنطن تعزيز حضورها في أفريقيا وتثبيت دورها كوسيط فاعل، في ظل تنامي المنافسة الدولية داخل القارة، لا سيما من قبل روسيا والصين.
وفي حال نجاح تنفيذ الاتفاق، قد يشكّل ذلك بداية لمرحلة جديدة من الاستقرار في منطقة البحيرات العظمى، المرهقة بالصراعات والنزوح والفقر، ويفتح الباب أمام مشاريع إعادة الإعمار، وتقوية مؤسسات الدولة الكونغولية، ومواجهة الحركات المسلحة التي ظلت لعقود جزءًا من المشهد الأمني المتوتر في المنطقة.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=
جزيرة ام اند امز




