«حتمية» حصر السلاح وحق القرار العسكري.. لبنان يفرض سقف النفوذ والسيطرة

عشية ذكرى الاستقلال وجه الرئيس اللبناني رسائل عدة، أكد خلالها على أهمية حصر السلاح وقرار السلم والحرب، واصفا ذلك بأنه «ضروري جدا وحتمي فعلا».
وفي خطابه أشار جوزيف عون إلى “استعداد الدولة لتكليف اللجنة الخماسية التأكد في منطقة جنوب الليطاني من سيطرة القوى المسلحة اللبنانية وحدها وبسط سلطتها بقواها الذاتية”، في إشارة إلى لجنة مراقبة وقف إطلاق النار التي تضم الى فرنسا والولايات المتحدة وقوة الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل) ممثلين للجيشين الاسرائيلي واللبناني.
ورغم وقف إطلاق النار، تواصل إسرائيل شنّ ضربات في لبنان، خصوصا في جنوب البلاد، قائلة إنها تستهدف بنى عسكرية وعناصر في الحزب. وتبقي قواتها في خمس نقاط حدودية، يطالبها لبنان بالانسحاب منها.
إلى ذلك، قال الرئيس اللبناني في الخطاب الذي وجّهه من جنوب البلاد «إن الدولة اللبنانية جاهزة للتفاوض، برعاية أممية أو أمريكية أو دولية مشتركة، على أي اتفاق يرسي صيغة لوقف نهائي للاعتداءات عبر الحدود».
وحضّ عون «الدول الشقيقة والصديقة للبنان على رعاية هذا المسار، عبر تحديد مواعيد واضحة ومؤكدة، لآلية دولية لدعم الجيش اللبناني، كما للمساعدة في إعادة إعمار ما هدمته الحرب. بما يضمن ويسرّع تحقيق الهدف الوطني النهائي والثابت، بحصر كل سلاح خارج الدولة، وعلى كامل أراضيها».
والجمعة، أوقعت غارة إسرائيلية قتيلا في جنوب لبنان، وفق الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية اللبنانية.
وبحسب وزارة الصحة اللبنانية، قُتل أكثر من 330 شخصا في لبنان وأصيب 945 منذ دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ.
وفي الشهر الماضي، قال مقرّر الأمم المتحدة لحالات الإعدام خارج نطاق القضاء موريس تيدبول-بنز في تصريح لوكالة فرانس برس إن «عمليات القتل الناجمة عن هذه الهجمات (…) تبدو، برأيي، جرائم حرب».
وتيدبول-بنز هو خبير مستقل مفوّض من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ولا يتحدّث باسم المنظمة.
وخرج حزب الله في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 منهكا من حرب مدمّرة مع إسرائيل استمرّت سنة واندلعت بالتزامن مع الحرب في قطاع غزة.
ونصّ اتفاق وقف إطلاق النار الذي تمّ التوصل اليه بوساطة أمريكية على وقف العمليات العسكرية وانسحاب حزب الله من جنوب نهر الليطاني (على بعد حوالى ثلاثين كيلومترا من الحدود) وتفكيك بنيته العسكرية وأسلحته.
وفي الخامس من أغسسط/آب، قرّرت الحكومة اللبنانية نزع سلاح حزب الله، ووضع الجيش اللبناني خطة للقيام بذلك. إلا أن الحزب رفض باستمرار تسليم سلاحه.
لكن.. لماذا يتعثر نزع سلاح حزب الله؟
ورغم أن السبب الأساسي لتأخير نزع سلاح حزب الله، هو «اعتراض حزب الله نفسه، فإن الجمود يعود أيضاً -بحسب »، بحسب «ذا ناشيونال إنترست»- إلى:
- ضعف الحركة السياسية
- بطء اتخاذ القرار
- الأهم غياب جدول زمني واضح في خطة الجيش
وبينما تفيد تقارير بأن الجيش اللبناني فكك معظم مواقع حزب الله العسكرية جنوب نهر الليطاني، فإن الحزب يرفض نزع سلاحه في كامل أنحاء لبنان.
يأتي ذلك، فيما لا يزال شكل المفاوضات المحتملة بين لبنان وإسرائيل موضع خلاف؛ فتاريخياً، كانت المفاوضات غير مباشرة ومحدودة النطاق وبوساطة أمريكية وأممية.
لكن، وفق تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص توم براك، يبدو أن إدارة ترامب تفضل الآن محادثات مباشرة تقوّض نفوذ حزب الله وتسرّع نزع سلاحه.
والبديل هو إطار «المفاوضات غير المباشرة» المنصوص عليه في اتفاق وقف الأعمال العدائية لعام 2024، الذي أنهى 13 شهراً من الصراع بين إسرائيل وحزب الله.
وينص الاتفاق على التزام لبنان بنزع سلاح حزب الله والمليشيات الأخرى، مقابل وقف إسرائيل عملياتها الهجومية. وتتابع آلية ثلاثية برئاسة الولايات المتحدة وبدعم فرنسي ومن خلال «اليونيفيل» عملية التنفيذ.
ويحاول حزب الله، بدعم من بري، الحفاظ على هذا الإطار كونه يمنحه الوقت لإعادة تنظيم صفوفه والحفاظ على نفوذه السياسي بدعم من إيران.
وبينما يتهم إسرائيل بخرق وقف النار -وهو ما تنفيه تل أبيب- يطالب بوقف العمليات الإسرائيلية في لبنان، وانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية، وتقديم مساعدات لإعادة إعمار الجنوب، مقابل الاستمرار فقط في «مناقشة ما يسمى استراتيجية الدفاع الوطني» المتعلقة بنزع سلاحه.
وإذا كان الماضي مؤشراً، فإن الحزب يكرر ما فعله قبل نحو 19 عاماً بعد صدور القرار 1701، الذي أنهى حرب 2006، واستخدمه كغطاء لإعادة التسلح وتعزيز قدراته، بينما كان يوجه اتهامات لإسرائيل بخرق الاتفاق.
ولا يرفض حزب الله التخلي عن سلاحه فحسب، بل يشير أيضاً إلى أنه أعاد بناء قواته وترسانته، متحدياً بذلك شروط وقف إطلاق النار. وقد أعلن ذلك أمينه العام نعيم قاسم وأعاد تأكيده مسؤولون آخرون.
ورغم أن حجم إعادة التسلح قد يكون مبالغاً فيه -خصوصاً مع الرقابة الإسرائيلية المستمرة وتضرر خطوط إمداده بعد سقوط النظام السوري-، فقد أفاد تقرير لصحيفة «جيروزاليم بوست» بأن الحزب يعيد بناء قدراته ويجنّد مقاتلين بوتيرة أسرع من قدرة الجيش على تفكيك مواقعه، خصوصاً شمال الليطاني.
كما ذكرت «وول ستريت جورنال» أنه يعيد بناء قدراته في ثلاثة مجالات:
- الصواريخ المضادة للدروع.
وبحسب «ذا ناشيونال إنترست»، فإنه يبدو أن قيادة الحزب تعيد صياغة عقيدتها العسكرية بعد الخسائر التي تكبدتها خلال الحرب مع إسرائيل؛ فالحزب يعاني من فراغ قيادي بعد مقتل معظم قادته الميدانيين أصحاب الخبرة، وتراجع ترسانته -خصوصاً الأسلحة الاستراتيجية- وتعطل إمدادات السلاح عبر سوريا، وضعف إيران بعد حربها مع إسرائيل، فضلاً عن الضائقة المالية.
إلا أنه رغم ذلك، يعيد ضبط استراتيجيته بعيداً عن «وحدة الجبهات» التي اعتمدها خلال حرب 2023-2024، ويركز الآن على ما يصفه بـ«الجهاد والدفاع عن الوطن ومقاومة الظلم العالمي»، كما ظهر في خطاب النائب علي عمار.
ولاحظ كثيرون غياب التهديدات بتدمير إسرائيل وتحرير القدس من خطابات قاسم، مقارنة بخطابات حسن نصر الله سابقاً.
ومع إدراك الحزب، بأن الحرب المعلوماتية لا تقل أهمية عن العسكرية، يواصل حملته الإعلامية، زاعماً أنه أعاد التسلح كاملًا، رغم أن دعاية الحزب اليوم أقل صخباً من السابق.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز




