اسعار واسواق

سلاح الفصائل في العراق.. «ألغام» على طريق الحكومة المقبلة


تحد بارز تشكله الفصائل المسلحة في العراق بوجه تشكيل حكومة مستقرة تحظى بدعم دولي وخاصة أمريكي.

فمع إعلان النتائج النهائية لانتخابات البرلمان في العراق، يحتدم السباق لتشكيل أكبر كتلة برلمانية، بعد أن أظهرت النتائج تقدّم قائمة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، إلا أن أي قائمة لم تصل بعد إلى الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة الجديدة.

وتكشف الوقائع أن الفصائل المسلحة المدعومة من إيران، والتي تشكل جزءاً من «الإطار التنسيقي» الشيعي، تمثل أحد أبرز التحديات التي تواجه تشكيل حكومة مستقرة تحظى بدعم دولي وفي مقدمتهم الولايات المتحدة.

ومنذ عام 2003، يعتمد العراق على نظام برلماني معقد، يتطلب تصويت أغلبية الثلثين لاختيار رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، مما يجعل أي عملية تشكيل للحكومة عرضة للتأثيرات الداخلية والخارجية، خصوصًا من إيران والولايات المتحدة.

حل وسط؟

ويملك «الإطار التنسيقي» الشيعي نحو 185 مقعداً من أصل 329 في البرلمان، وهو ما يمنحه نفوذاً كبيراً، لكنه لا يكفي لتشكيل الحكومة بمفرده، والتي تحتاج إلى 220 صوتاً لضمان انتخاب رئيس الجمهورية.

هذا الواقع يثير السؤال الأساسي: هل تستطيع الحكومة فعلاً تجاهل الفصائل المسلحة؟ وهل من الممكن إيجاد حل وسط يوازن بين ضغوط واشنطن وطهران من جهة، ومصالح الدولة من جهة أخرى؟

الناشط السياسي محمد الخالدي يشير إلى أن «استبعاد الفصائل المسلحة قد يؤدي إلى عودة الاضطرابات الأمنية، نظراً لتجذر هذه الجماعات على مدار 22 عاماً، وتكوينها شبكة نفوذ داخل الدولة».

ويقول الخالدي في حديثه لـ”العين الإخبارية”، إن «الولايات المتحدة تسعى منذ فترة للحد من دور المليشيات وضمها إلى قوات الأمن الرسمية، كجزء من رؤية لتأسيس حكومة مستقرة بعيداً عن النفوذ المليشياوي».

ويضيف أن «إيران لا ترغب في بقاء السوداني على رأس الحكومة، لأنه قريب أكثر من الولايات المتحدة، مما يثير استياءها. في المقابل، تدعم واشنطن الحكومة المدنية بقيادة السوداني، وتدعو إلى إدماج الفصائل المسلحة ضمن الدولة وإبعادها عن مواقع النفوذ السياسي المباشر».

وبحسب الخبير، فإن أمريكا «أبلغت القوى السياسية الشيعية في مرات سابقة بأنها لن تقبل بتشكيل حكومية تشارك فيها فصائل مسلحة بل عليها التخلي عن السلاح بشكل رسمي والانخراط في العمل السياسي”.

كما لفت إلى أن “إدارة الرئيس (دونالد) ترامب تريد هذه المرة كبح الجماعات المسلحة المدعومة من إيران وضم قوات الحشد الشعبي إلى الأمن الرسمي، وهو الخيار ذاته التي تريد تطبيقه في لبنان عبر نزح سلاح حزب الله، وكذلك الحال بشأن حركة حماس في قطاع غزة”.

إيران على الخط 

في المقابل، تؤكد مصادر مطلعة أن إيران لا تزال تمارس تأثيراً مباشراً على الأحزاب الشيعية، حيث دعا إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الأحزاب إلى الحفاظ على وحدة الإطار التنسيقي.

كما أشارت المصادر لـ«العين الإخبارية»، إلى أن قاآني أوصى شخصيات وقيادات بارزة في الإطار مثل نوري المالكي وقيس الخزعلي بعدم تفكيك التحالف الشيعي، محذرا من أن أي تصدع قد يؤدي إلى صراع جديد داخل العراق.

من جانبه، قال أحد الفائزين في الانتخابات البرلمانية عن الإطار التنسيقي، مفضلا عدم الكشف عن اسمه، لـ”العين الإخبارية”، إن قاآني زار العراق عدة مرات سراً والتقى بالكتل السياسية الشيعية قبل الانتخابات العراقية في أيام، وحثها على الحفاظ على الإطار التنسيقي وعدم تفكيكه.

وأضاف: “إيران لا تستطيع التوقف عن التدخل في الانتخابات العراقية؛ لأن تفكك الكتلة السياسية الشيعية يعني انهيار كل ما بناه الإيرانيون في العراق خلال الـ22 عاماً الماضية”.

ووفقاً للمصدر، أصدر قاآني أوامر مباشرة لعدة شخصيات، من بينهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وقيس الخزعلي زعيم “عصائب أهل الحق”، وهي مليشيات شيعية مدعومة من إيران، وآخرون، مطالباً إياهم بالحفاظ على وحدة الكتلة الشيعية بما فيها الفصائل المسلحة.

وأوضح أنه “نظراً لأن الأحزاب ضمن التحالف الشيعي تمتلك مليشيات وفصائل مسلحة، فمن المرجح أن ينحدر العراق إلى خلافات عميقة إذا لم تُدرج هذه الأطراف في الحكومة المقبلة”.

وعن رؤية واشنطن بشأن مشاركة الفصائل في الحكومة المقبلة، أجاب قائلاً “رؤية الإدارة الأمريكية هي تخليص العراق من المليشيات وتأسيس حكومة تدار من الدولة، وهو ما لن تقبله إيران ولا مليشياتها في العراق، ولذلك فإنه إذا تم استبعادها من الحكومة، فمن المرجح أن يدخل العراق نفقاً مظلماً”.

وتمتلك هذه الفصائل مئات الآلاف من المسلحين الذين دربتهم إيران خلال 22 عاماً، ولديها تأثير كبير داخل مؤسسات الدولة وثروات هائلة ومصالح تجارية واسعة داخل العراق وخارجه، والتي قد تمول أي حرب أهلية مستقبلية.

فرصة للتحول السياسي؟

ويرى خبراء أن دمج هذه الفصائل في مؤسسات الدولة الأمنية والسياسية قد يكون الحل الوسط الأكثر واقعية، يضمن استقرار الحكومة القادمة ويقلص احتمالات النزاع المسلح، شرط وجود دعم دولي وإقليمي لهذا الخيار.

وظهر المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي إلى العراق، مارك سافايا، مع السوداني في عدة مقاطع فيديو قبل الانتخابات.

وفي 31 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قال سافايا في منشور عبر منصة إكس: “خلال السنوات الثلاث الماضية، اتخذت القيادة العراقية خطوات مهمة لتوجيه البلاد في الاتجاه الصحيح سياسياً واقتصادياً”.

وأضاف: “بدأ العراق في التعافي كدولة ذات سيادة، ويعمل على الحد من التأثيرات الخارجية، ووضع كل الأسلحة تحت سيطرة الحكومة الشرعية، وفتح الأسواق أمام الشركات الدولية للمساعدة في إعادة بناء البنية التحتية الهشة وتطويرها”.

ومستدركا: “ومع ذلك، لم يكتمل العمل بعد، وما زال العراق بحاجة إلى دعم مستمر لمواصلة هذا المسار”.

وفي تعقيبه، يقول المحلل السياسي العراقي أسامة الزبيدي لـ”العين الإخبارية”: “تحدث سافايا مراراً وتكراراً وبشكل علني عن دعم الحكومة العراقية التي تبني الدولة، وأنه لا مكان للمليشيات في العراق. لذلك فإن الخيار الأنسب للفصائل وللعراق هي التحول نحو السياسة وترك السلاح”.

 وأضاف: “من الواضح أن أمريكا لا تريد استمرار الإطار التنسيقي، وهي عازمة على القضاء على المليشيات إذا لم تترك السلاح طوعاً وتنسق مع الحكومة العراقية، لكن ذلك قد لا يكون سهلاً وسيواجه معارضة إيرانية قوية”.

 ومنذ انتهاء الانتخابات العراقية في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، انخرطت الأحزاب السياسية في مناورات داخلية، وعقدت مشاورات قبل الجلسة البرلمانية الأولى لمحاولة تشكيل أكبر كتلة برلمانية، وبالتالي تمهيد الطريق لتشكيل الحكومة.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى