اسعار واسواق

البنوك في الساحل الأفريقي.. مالي نموذجاً


أظهرت التقارير المصرفية فروقات واضحة بين الدول الثلاث الأعضاء في «تحالف دول الساحل»؛ إذ تحتفظ المصارف المالية في مالي، بأداء قوي وتقدم على نظيراتها في النيجر وبوركينا فاسو، اللتين تواجهان ارتفاعًا في كلفة المخاطر.

وقالت مجلة “جون أفريك” الفرنسية إنه رغم التحديات الأمنية المتصاعدة في منطقة الساحل الأفريقي، لا تزال المنظومة المصرفية في مالي قادرة على الحفاظ على مستوى من الصمود والتماسك يمنحها تفوقًا واضحًا على نظيراتها في النيجر وبوركينا فاسو، وهما الدولتان الشريكتان في تحالف دول الساحل الذي تأسس رسميًا عام 2023 بعد انسحاب هذه البلدان من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس).

أداء مالي المصرفي في مواجهة بيئة إقليمية هشة

تكشف أحدث البيانات المالية للبنوك العاملة في المنطقة عن فوارق جوهرية بين الاقتصادات الثلاثة. ففي حين تشهد المصارف في النيجر وبوركينا فاسو ارتفاعًا مقلقًا في تكلفة المخاطر المصرفية بسبب ضعف النشاط التجاري وتزايد القروض المتعثرة، فإن البنوك المالية – وعلى رأسها “بنك أوف أفريكا” و”إيكوبنك مالي”تبدو أكثر قدرة على إدارة الأزمات واستيعاب الصدمات الاقتصادية.

في العاصمة باماكو، تواصل معظم الوكالات المصرفية عملها بشكل منتظم، على الرغم من استمرار حصار الوقود الذي يفرضه مقاتلو ما يُعرف بـ”جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (جنيم)، التابعة لتنظيم القاعدة، والذي أدى إلى شلل جزئي في حركة النقل وارتفاع كلفة الطاقة على الشركات والمستهلكين على حد سواء.

ويشير مصرفيون محليون إلى أن القطاع المالي المالي يتمتع بمرونة داخلية بفضل خبرة طويلة في العمل تحت الضغط، إضافة إلى دعم غير مباشر من الدولة التي تواصل ضخ السيولة عبر البنك المركزي لدول غرب إفريقيا (BCEAO) لتأمين استقرار النظام النقدي.

إجراءات تكيف متباينة بين المصارف

ورغم الضغوط الأمنية، اتخذت البنوك المالية إجراءات تكيفية لتفادي المزيد من الخسائر. فقد قرر بنك أوف أفريكا – مالي تقليص ساعات العمل الأسبوعية عبر إغلاق بعض فروعه يوم السبت، في حين شجعت إيكوبنك عملاءها على الاعتماد على الخدمات الرقمية والعمليات المصرفية عبر الإنترنت لتقليل الازدحام وتخفيف المخاطر الأمنية التي تواجه الموظفين والعملاء على السواء.

هذا التحول نحو الخدمات المصرفية الرقمية يتماشى مع التوجه الإقليمي الذي تشجعه المصارف المركزية في الساحل، خاصة في ظل ضعف البنية التحتية المادية وصعوبة الوصول إلى بعض المناطق النائية.

وتشير التقديرات إلى أن نسبة المعاملات المصرفية الرقمية في مالي قد ارتفعت بنحو 35% خلال عام 2024، وهو معدل أعلى من المتوسط الإقليمي.

فجوة اتساع المخاطر في النيجر وبوركينا فاسو

على النقيض، تواجه البنوك في النيجر وبوركينا فاسو ضغوطًا متزايدة بسبب ارتفاع مخاطر الائتمان وتراجع الثقة في النظام المالي. فبعد الانقلابات العسكرية الأخيرة، تراجع تدفق الاستثمارات الأجنبية، وتباطأت التحويلات المالية من الخارج، ما جعل المؤسسات المصرفية تعتمد أكثر على تمويلات محلية محدودة السيولة.

كما أن القيود المفروضة على بعض العمليات العابرة للحدود بعد الانسحاب من الإيكواس أثّرت سلبًا في قدرة هذه المصارف على الحصول على تمويلات مشتركة أو خطوط ائتمان إقليمية.

ووفقًا لتقرير صادر عن بنك التنمية الأفريقي، ارتفعت نسبة القروض المتعثرة في النيجر إلى 17% من إجمالي محفظة القروض، مقابل 9% في بوركينا فاسو، بينما ظلت النسبة في مالي عند حدود 6% فقط، وهي الأدنى في التحالف.

الثقة والاستقرار السياسي كعامل توازن

ويرى محللون أن الاستقرار النسبي في باماكو مقارنة بالعواصم المجاورة، رغم الانقلاب العسكري في 2021، أسهم في تعزيز الثقة في النظام المالي. فقد تبنت السلطات المالية سياسات نقدية أكثر انضباطًا وراقبت حركة رأس المال لضمان بقاء العملة الوطنية (الفرنك الأفريقي – فرنك) في نطاق آمن من التقلبات، بحسب مجلة “جون أفريك” الفرنسية.

كما لعب التحالف العسكري بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو دورًا مزدوجًا: من جهة، وفّر مظلة سياسية جديدة تسمح بتنسيق اقتصادي أوسع، ومن جهة أخرى زاد من عزلة هذه الدول عن المؤسسات المالية الغربية، ما يدفعها اليوم للبحث عن شراكات مصرفية جديدة مع روسيا والصين وتركيا.

آفاق التحول الاقتصادي في الساحل

يتفق خبراء اقتصاديون على أن النظام المالي في الساحل يمر بمرحلة إعادة تموضع عميقة. فبينما يواجه مخاطر متزايدة بفعل الإرهاب والجفاف وضعف البنية التحتية، إلا أن التجارب الناجحة مثل تجربة مالي تُظهر أن القدرة على التكيّف المؤسسي والإدارة الفعالة للمخاطر يمكن أن تحول دون الانهيار الكامل، وفقاً للمجلة الفرنسية.

وفي هذا السياق، أشار تقرير صادر عن مركز الدراسات المالية الإفريقية في سبتمبر/أيلول 2025 إلى أن مالي مرشحة لأن تصبح القطب المالي الإقليمي لتحالف دول الساحل خلال السنوات الخمس المقبلة، إذا استمرت في تطوير القطاع المصرفي الرقمي وتحسين الإطار التنظيمي لجذب الاستثمار الأجنبي.

ورغم الوضع الأمني الهش في المنطقة، تبقى البنوك المالية في موقع متقدم مقارنة بجاراتها، مدعومة بخبرة تراكمية في إدارة الأزمات وبنية مؤسساتية أكثر متانة. وبينما يكافح كل من النيجر وبوركينا فاسو لمواجهة التحديات المتفاقمة، يبدو أن مالي تسير بخطى حذرة ولكن ثابتة نحو ترسيخ مكانتها كقلب مالي نابض لتحالف الساحل في غرب أفريقيا.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=

جزيرة ام اند امز

NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى