شلل حكومي يهدد أمريكا والعالم.. خبير يحذر من فوضى في السماء والأسواق

لم تعد أزمة الشلل الحكومي في الولايات المتحدة شأنا داخليا يخص الأمريكيين وحدهم، فمع استمرار غياب الاتفاق بين الديمقراطيين والجمهوريين حول الميزانية، بدأ شبح الفوضى يقترب من المطارات والمجال الجوي، ومن قطاعات اقتصادية عالمية ترتبط بالدولار وسلاسل التوريد.
وبينما يعمل عشرات الآلاف من موظفي النقل الجوي دون رواتب، تتوقع واشنطن اضطرارها إلى إغلاق أجزاء من المجال الجوي إذا استمر الانسداد السياسي. فالأمر لم يعد مقتصراً على الداخل الأمريكي، بل امتد تأثيره إلى بقية أنحاء العالم.
قال الخبير الاقتصادي الفرنسي جان-فرانسوا روبين، كبير الاقتصاديين في مؤسسة Natixis Corporate & Investment Banking، في تصريح لـ”العين الإخبارية”، إن “الولايات المتحدة ليست مجرد اقتصاد محلي، بل العمود الفقري للأسواق العالمية، وأي تعطل طويل في مؤسسات الدولة الفيدرالية ينعكس على العالم بأكمله، سواء عبر الطيران أو التجارة أو الأسواق المالية”.
وأوضح روبين أن أي اهتزاز في ثقة المستثمرين بالدولة الفيدرالية الأمريكية، حتى وإن كان ظرفياً، يمكن أن يضغط على أسواق المال الأوروبية، ويضعف اليورو، ويرفع تكلفة الاقتراض للدول ذات المديونية المرتفعة.
وأضاف أن الشلل الحكومي يؤدي عادة إلى تجميد العقود الفيدرالية ومشتريات الدولة، ما ينعكس على الشركات الأوروبية المتعاملة مع السوق الأمريكية في مجالات النقل، والصناعات الدفاعية، والتكنولوجيا، واللقاحات.
كما حذر روبين من أن استمرار الأزمة لأسابيع قد يرفع أسعار النفط والتأمين الجوي، موضحاً أن “تعطل الرحلات عبر الولايات المتحدة يرفع كلفة الشحن والتأمين، وهذا سينعكس على أسعار الطاقة والسلع الغذائية في أوروبا والشرق الأوسط، فالسوق العالمية مترابطة، ولا يوجد شلل أمريكي يبقى أمريكياً فقط”.
وتابع قائلاً: “إذا تعطلت حركة الطيران في الولايات المتحدة، ستتأثر الخطوط الجوية الأوروبية والعربية والآسيوية فوراً، وسيتغير مسار الرحلات العابرة للمحيط الأطلسي، مما سيرفع تكاليف الشحن الجوي ويخلق اختناقات في سلاسل التوريد، خصوصاً للسلع الحساسة مثل الأدوية وقطع الغيار”.
وأشار روبين إلى أن العالم قد يشعر بالأزمة حتى دون توقف أي طائرة على مدرج المطار، موضحًا أن “كل إغلاق حكومي طويل الأمد يفقد الاقتصاد الأمريكي مليارات الدولارات، ويؤثر سلباً على الاستثمارات العالمية، فشركات أوروبا والمحيط الهادئ تعتمد على السوق الأمريكية في الصادرات والتمويل، وبالتالي فإن أي شلل سياسي في واشنطن يتحول تلقائياً إلى تباطؤ اقتصادي دولي”.
ويرى روبين أن الدولار قد يواجه موجة مضاربات نتيجة فقدان الثقة المؤقت، مما قد يدفع بعض المستثمرين إلى الاتجاه نحو الذهب والعملات الرقمية كملاذات آمنة.
وأضاف: “إذا استمر الشلل لأسابيع، فلن يكون الأمر مجرد أزمة أمريكية داخلية، بل موجة ارتدادية تضرب اقتصادات متشابكة مع الولايات المتحدة، بدءاً من بورصات أوروبا وصولاً إلى تدفقات التجارة في الشرق الأوسط وآسيا”.
ومنذ الأول من أكتوبر/تشرين الاول، ومع انتهاء العمل بالميزانية الفيدرالية، دخلت الولايات المتحدة مرحلة شلل حكومي جديدة بعد فشل الديمقراطيين والجمهوريين في الاتفاق على مشروع قانون جديد. ومع حلول الرابع من نوفمبر، حذر وزير النقل الأمريكي شون دافي من “فوضى جماعية” قد تضرب حركة الطيران، قائلاً: “سترون تعطلاً واسع النطاق في الرحلات، وإلغاءات جماعية، وربما إغلاق أجزاء من المجال الجوي لأننا ببساطة لن نتمكن من إدارته دون مراقبين جويين كافيين”.
تأتي هذه التحذيرات في وقت يُضطر فيه أكثر من 13 ألف مراقب جوي، إلى جانب آلاف موظفي الأمن في المطارات، إلى العمل دون تقاضي أجور، بينما تتبادل الأحزاب الاتهامات.
فالبيت الأبيض يُحمّل الديمقراطيين المسؤولية، مؤكداً أن الرئيس ترامب “يريد أن يحصل المراقبون على رواتبهم فوراً”، بينما يطالب الديمقراطيون بتوفير ضمانات للبرامج الصحية الموجهة للأسر ذات الدخل المنخفض قبل الموافقة على أي تمديد.
هذه الأزمة ليست الأولى من نوعها؛ فخلال أطول إغلاق حكومي عام 2019، أدت الإضرابات والغيابات إلى اضطرار الكونغرس لاتخاذ إجراءات عاجلة لتفادي انهيار حركة الطيران. واليوم تتكرر السيناريوهات على نطاق أكثر حساسية، في ظل تمسك كل طرف بمطالبه.
وفي الوقت الذي يستمر فيه تجميد أجور الموظفين “الأساسيين”، وُضع مئات الآلاف من الموظفين الفيدراليين الآخرين في إجازة إجبارية بدون أجر، ما أدى إلى دخول عشرات الأسر في ضائقة مالية حادة، وانكماش في الاستهلاك المحلي، وهو ما يمثل إحدى أخطر تبعات الشلل الحكومي على الاقتصاد الأمريكي.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=
جزيرة ام اند امز




