اسعار واسواق

زاهي حواس يروي لـ«العين الإخبارية» أسرار رحلة المتحف المصري الكبير


في لحظة تاريخية استثنائية، أضاء المتحف المصري الكبير قلب مصر بالأصالة والحداثة، مؤكدا ريادتها الثقافية والسياحية عالميا، وفتح آفاقا اقتصادية وحضارية جديدة أمام ملايين الزوار من جميع أنحاء العالم.

في إطار سعي مصر لتحقيق هدفها بالوصول إلى 30 مليون سائح سنويا بحلول عام 2030، جاء افتتاح المتحف المصري الكبير ليشكل نقطة تحول فارقة في خريطة السياحة والثقافة العالمية.

في لحظة امتزج فيها التاريخ بالمستقبل، شهد العالم انطلاق أكبر مشروع ثقافي في القرن الحادي والعشرين، صرح يطل بجلاله على أهرامات الجيزة، ليعيد تقديم الحضارة المصرية في أبهى صورها، ويفتح أمام الاقتصاد المصري آفاقا جديدة من النمو، مدعوما بزخم إعلامي وسياحي غير مسبوق.

وفي حديث خاص لـ”العين الإخبارية”، تحدث العالم الأثري المصري الكبير الدكتور زاهي حواس، وزير الآثار الأسبق، عن كواليس الحلم الذي صار واقعا، كاشفا عن أدوار القيادة السياسية، والعقبات التي واجهت المشروع، وأبعاده الاقتصادية، قائلا:

“الرئيس السيسي امتلك الإرادة والرؤية لاستكمال المتحف رغم الظروف الصعبة، وبناء هذا المشروع كان رسالة من الشعب المصري إلى العالم أن مصر بخير، وأنها قادرة على تحقيق المعجزات مهما كانت التحديات”.

وعن البدايات، أوضح حواس أن فكرة إنشاء المتحف تعود إلى عام 2002، عندما وضع حجر الأساس للمشروع، بعد أن تبنى فاروق حسني وزير الثقافة المصري الأسبق الفكرة وأقنع القيادة السياسية بأهميتها.

وأضاف: “في البداية، أجرى الإيطاليون دراسات تصميمية بلغت قيمتها نحو 5 ملايين دولار، ثم أُعلنت مسابقة معمارية عالمية شارك فيها أكثر من 1600 مشروع من أنحاء العالم، حتى تمت الترسية على التصميم الحالي، الذي يُعد من أجرأ وأجمل التصاميم المعمارية في العصر الحديث”.

وأكد أن المشروع مر بمراحل طويلة من الدراسات والمناقصات واختيار شركات الإدارة والتنفيذ، لكن الدعم الرئاسي والمتابعة المستمرة كانا العامل الحاسم في استكمال هذا الصرح العالمي.

وعن الأدوار القيادية، قال حواس: “هؤلاء الرجال كان لهم الفضل في أن نرى اليوم هذا الحلم متجسدا على أرض الواقع. الرئيس عبدالفتاح السيسي تابع المشروع خطوة بخطوة، ورئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي كان يتابع التنفيذ يوميا، أما اللواء عاطف مفتاح المشرف العام الهندسي على المتحف المصري الكبير والمنطقة المحيطة، فقدم أداء بطوليا في تنفيذ المشروع ونقل مراكب الشمس بطريقة علمية دقيقة تُدرَّس عالميا”.

وأضاف أن قرار استكمال المشروع في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة لم يكن مجرد قرار إداري، بل كان قرارا وطنيا حضاريا يعيد لمصر مجدها.

وعن أبرز التحديات، كشف حواس: “نقل تمثال رمسيس الثاني من ميدان رمسيس إلى المتحف كان تحديا هائلا استغرق أربع سنوات من الدراسات مع المهندس إبراهيم محلب الذي كان وقتها رئيسا لشركة المقاولون العرب التي نفذت عملية نقل التمثال. أما نقل مراكب الشمس فكان معجزة هندسية أخرى نجح فيها اللواء عاطف مفتاح بالتعاون مع الخبراء اليابانيين والمصريين، وتم النقل بطريقة علمية فريدة أصبحت نموذجًا عالميا”.

وأكد حواس أن المتحف ليس مجرد متحف، بل مؤسسة ثقافية وتعليمية وسياحية متكاملة، قائلاً: “هو أول متحف في العالم يبنى في منطقة أثرية بهذا الحجم، على مشارف الأهرامات، إحدى عجائب الدنيا السبع. ويعد أكبر متحف أثري في العالم، يضم أكثر من 50 ألف قطعة أثرية من مختلف العصور المصرية القديمة، منها 5 آلاف قطعة كاملة من مقتنيات الملك توت عنخ آمون تعرض لأول مرة”.

وأضاف أن المتحف يحتوي على معامل ترميم متطورة، ومتحف للأطفال، ومتحف مراكب الشمس، فضلًا عن مكتبة تُعد من أكبر مكتبات علم المصريات عالميا.

وعن الشراكة المصرية-اليابانية، قال حواس: “اليابانيون كانوا شركاء حقيقيين منذ البداية، فقدموا قرضا ميسرا بقيمة 400 مليون دولار، تلاه قرض آخر مماثل. كما قامت وكالة الجايكا بتدريب الكوادر المصرية على أحدث تقنيات الترميم والعرض المتحفي، مما جعل المشروع عالميًا من حيث التقنية والتنظيم والجودة”.

وأضاف: “اليابان لم تقدم التمويل فقط، بل ساهمت بخبرتها وثقافتها في الانضباط والإدارة، ليصبح المشروع نموذجًا يحتذى في التعاون الدولي الثقافي”.

وعن أجواء الافتتاح، أوضح حواس أن الحدث شهد مشاركة نحو 700 شخصية عالمية من ملوك ورؤساء وشخصيات بارزة، إضافة إلى ممثلين عن أكثر من 150 شركة عالمية، وقال: “لم يحدث في تاريخ مصر الحديث أن شاهد العالم حدثا بهذه الضخامة؛ أكثر من 500 محطة تلفزيونية نقلت الحدث، والصحف العالمية تحدثت بإعجاب غير مسبوق، وهذا الحفل وحده يعد أعظم حملة ترويجية لمصر في تاريخها”.

وأشار حواس إلى أن المتحف سيكون محركا رئيسيا لتحقيق هدف الدولة في الوصول إلى 30 مليون سائح سنويا بحلول 2030، وأضاف: “من المتوقع أن يستقبل المتحف نحو 5 ملايين زائر سنويا في البداية، مما سينعكس على الفنادق والمطاعم والنقل والأسواق والبائعين البسطاء. المتحف ليس مجرد وجهة سياحية، بل منظومة اقتصادية متكاملة تخلق فرص عمل وتدفع النمو المحلي”.

وتابع: “هذا المشروع لا يقاس بالعائد المالي فقط، بل بقيمته الحضارية والرمزية. هو يعرّف العالم من نحن، ويُعيد للمصريين فخرهم بتاريخهم، ويجعل من التراث المصري جسرًا للتنمية المستقبلية”.

وأكد حواس أن المتحف أعاد للناس إحساسهم بالانتماء الحضاري، مضيفا: “الناس البسيطة في الشارع بتقف أمام التذاكر وتقول غالية، لكن في عيونهم فخر.. الفقير قبل الغني يرى مجده أمامه. هذا المتحف أعاد للناس إحساسهم بأن الحضارة دي ملكهم، وأنهم جزء من قصة عظيمة اسمها مصر”.

رسالة مصر للعالم

وقال حواس إن افتتاح المتحف وضع مصر على قمة الخريطة الثقافية العالمية، متفوقًا على متاحف كبرى مثل اللوفر والبريتش ميوزيوم، لأنه موجود في قلب التاريخ نفسه، أمام الأهرامات.

وأضاف:

“المتحف أصبح بوابة للحوار الحضاري مع العالم، ومقصدًا للباحثين والعلماء، وركيزة أساسية لجذب الاستثمار السياحي.”

وعن شعوره الشخصي، أشار حواس:

“كنت متحفظًا على المشروع في البداية، لكن اليوم أنا فخور أن أرى الحلم حقيقة تتجاوز الخيال. اللحظة التي شعرت فيها بالفخر كانت عندما انعكست الشمس على واجهة المتحف في يوم الافتتاح، وقتها قلت لنفسي: كل التعب دا كان يستاهل.”

وختم حواس حديثه قائلًا:

“لو سألتني عن العنوان الأنسب لهذا الحدث العظيم، هقولك: مصر فوق قمة العالم كله.. مصر الحديثة في السماء وهي تحافظ على آثار مصر القديمة. هذا المتحف رسالة للعالم أن مصر بلد الأمان، وما زالت أم الحضارات، وقادرة أن تبهر الدنيا كما فعلت دائمًا.”

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى