اسعار واسواق

المساعدات الإنسانية.. «التهديد الأكبر» لاتفاق غزة


لا يمكن منع الانهيار الإنساني في غزة إلا من خلال بنية الأمم المتحدة وضغط الولايات المتحدة.

هذا ما أكده تقرير نشرته مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية، اعتبر خلاله جيريمي كوندينك رئيس منظمة “اللاجئين الدولية” والمدير السابق لمكتب المساعدات الخارجية في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أن الهدف الإنساني لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس والمتمثل في إدخال كميات ضخمة من المساعدات إلى غزة يجب أن يكون من أسهل بنود الاتفاق تنفيذًا، لكنه يواجه خطر الفشل الأكبر.

وأشار كوندينك إلى أن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ذات النقاط العشرين نصت على دخول “مساعدات كاملة” إلى القطاع عبر مؤسسات دولية محايدة “من دون تدخل أي طرف” وكان من المفترض أن تدخل 600 شاحنة يوميًا، لكن بعد أسبوعين فقط من توقيع الاتفاق تعثر تنفيذ هذا النص بشدة.

وأعلنت إسرائيل تأجيل فتح معبر رفح وخفّضت عدد الشاحنات المسموح بدخولها للنصف بحجة تأخر حماس في إعادة جثث الرهائن، ثم هدّدت بمنع المساعدات بالكامل عقب حادثة إطلاق نار في رفح قبل أن تتراجع تحت ضغط واشنطن.

كما جمدت أنشطة منظمات الإغاثة الكبرى بسبب شروط تسجيل جديدة فرضتها إسرائيل، في حين ظل شمال غزة شبه مغلق رغم فتح الطرق المؤدية إليه.

وفي النهاية، لا تزال المساعدات أقل بكثير من الحد الأدنى المطلوب لمنع المجاعة حيث أوضح برنامج الغذاء العالمي أنه لم يدخل سوى أقل من نصف كميات الغذاء الضرورية.

أداة ضغط

ويشير كوندينك إلى أن هذه العراقيل ليست جديدة، حيث استخدمت إسرائيل المساعدات طوال الحرب كأداة ضغط سياسية، وربطت تقديم المساعدات بقضايا أمنية مثل ملف الأسرى وبدلاً من أن تُطبّق القوانين الدولية التي تضمن وصول المساعدات للمدنيين، أصبح الحصار الإنساني وسيلة تفاوض.

وفي الوقت نفسه، ترفض إسرائيل التعاون مع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) وذلك على الرغم من كونها الجهة الأكثر قدرة على إدارة المساعدات في غزة وهو ما أعاق جهود الإغاثة واسعة النطاق في القطاع.

ومع ذلك، يرى الكاتب أنه لا يزال من الممكن حل الأزمة حيث أنشأت الولايات المتحدة مركزًا جديدًا للتنسيق المدني العسكري يشرف على عملية توسيع تقديم المساعدات، يمكن له أن يكون أداة حاسمة إذا قدم الدعم لمنظومة الأمم المتحدة بدلاً من تهميشها.

وأكد أنه يجب على الدول الضامنة للاتفاق من الولايات المتحدة إلى الدول الإقليمية والأوروبية، أن تدعم البنية التحتية الأممية للإغاثة وتستخدم نفوذها لردع أي محاولات لعرقلة المساعدات، لأن التأخير المستمر قد يؤدي إلى انهيار إنساني شامل مع اقتراب الشتاء.

وبعد عامين من الحرب، يعاني سكان غزة من مستويات غير مسبوقة من الحرمان؛ فالقطاع يعيش في مجاعة أعلنتها الأمم المتحدة رسميًا في أغسطس/آب الماضي، بعدما فرضت إسرائيل حصارًا كاملاً في مارس/آذار.

وتشير التقديرات إلى أن 1.9 مليون فلسطيني نزحوا مرارًا بسبب القصف المتواصل وأوامر الإخلاء كما دمرت الحرب 80٪ من المساكن و89٪ من البنية التحتية للمياه والصرف الصحي، وتضررت 94٪ من المستشفيات.

ويؤكد الكاتب أن هذا الوضع ليس نتيجة جانبية للحرب بل نتيجة مباشرة لسياسات إسرائيل التي فرضت منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، “حصارا كاملا” على غزة بهدف “إحداث أقصى قدر من الضرر”.

ومنذ ذلك الوقت، استخدمت إسرائيل المساعدات كوسيلة ضغط لمعاقبة السكان أو إجبارهم على النزوح كما حاربت وكالة الأونروا، وحظرت أي اتصال بها في قانون أقره الكنيست عام 2024 وذلك رغم أن التحقيقات الأممية لم تجد دليلاً على اختراق واسع للوكالة من قبل حماس.

وأشار الكاتب إلى أن استخدام المساعدات كسلاح يمتد إلى ما قبل الحرب بسنوات فبعد سيطرة حماس على غزة عام 2007، فرضت إسرائيل قيودًا على الغذاء والمواد الأساسية، ووضعت سقفًا للسعرات الحرارية المسموح بإدخالها بما يتجاوز حدّ الجوع بقليل، ومنعت دخول مواد البناء والمعدات بحجة “الاستخدام المزدوج” وهو نمط من الحصار الإداري لا يزال مستمرًا حتى اليوم.

ومع تجاهل إسرائيل لأوامر المحكمة الدولية في مارس/آذار 2024 التي طالبتها بالسماح الفوري للمساعدات، تراكمت القرارات الدولية لتؤكد أن الحصار يخالف القانون الدولي حيث وجهت المحكمة الجنائية الدولية اتهامات لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت بارتكاب “جرائم تجويع” وأدان تقرير أممي في سبتمبر/أيلول 2025 إسرائيل بارتكاب “إبادة جماعية”.

عزلة قانونية

وفي حين ترفض إسرائيل هذه القرارات، إلا أنها تزيد من عزلتها القانونية وتحدّ من قدرتها على التهرب من المسؤولية.

وحتى لو وافقت إسرائيل على تحسين وصول المساعدات، تظل التحديات ضخمة؛ فلا بد من إعادة تمكين منظومة الأمم المتحدة لتقود عمليات الإغاثة، لأنها الجهة الوحيدة التي تمتلك الخبرة والبنية اللازمة.

وفي الوقت نفسه، يجب أن تتولى واشنطن وشركاؤها دعم هذه الجهود دبلوماسيًا، لا أن تحل محلها، خاصة وأن تجربة إسرائيل السابقة في محاولة الاعتماد على “مؤسسة غزة الإنسانية” الخاصة كبديل للأمم المتحدة أثبتت فشلها مع مقتل الآلاف في عمليات توزيع فوضوية.

ويؤكد الكاتب أن المركز الأمريكي للتنسيق المدني العسكري يجب أن يراقب ويُيسّر عمل الأمم المتحدة، لا أن يوجهه، وأن واشنطن يجب أن تكون مستعدة لمحاسبة أي طرف يعرقل تدفق المساعدات.

ويشدد على أن استعادة الأمن ضرورية لنجاح الإغاثة خاصة بعد تفاقم الفوضى والنهب أثناء الحرب وهو أمر وقع أحيانًا بتشجيع من الجيش الإسرائيلي الذي سلّح عشائر محلية، لكنه أشار إلى أنه من المتوقع أن تنخفض عمليات النهب تدريجيًا مع زيادة حجم المساعدات كما حدث في الهدنة السابقة مطلع 2025.

وحول الادعاءات الإسرائيلية بأن حماس تستولي على المساعدات، فيقول الكاتب إنها بلا دليل وفندتها مراجعات دولية وسفراء أمريكيون سابقون.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى