مارين لوبان بين القانون والسياسة.. قرار قضائي قد يفتح أبواب الإليزيه

في تطور قانوني وسياسي غير مسبوق في فرنسا، أعاد مجلس الدولة الفرنسي خلط الأوراق في المشهد السياسي الفرنسي بإشارته إلى إمكانية مراجعة قرار عدم أهلية مارين لوبان للترشح للمناصب الانتخابية.
ويواجه القرار الذي بدا نهائيًا قبل أشهر، الآن تساؤلات دستورية عميقة حول مشروعيته، ما يفتح الباب أمام معركة قضائية جديدة قد تغيّر مستقبل اليمين الفرنسي.
ويأتي هذا التحول بعد أن فشلت زعيمة حزب مارين لوبان “التجمع الوطني” في كسب طعونها أمام القضاء الإداري والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، قبل أن تلوح بوادر مراجعة جديدة أمام محكمة الاستئناف في باريس، قد تقلب الموازين قبل الانتخابات المقبلة.
جدل قانوني حول “الإقصاء الفوري”
تثير قضية مارين لوبان نقاشًا واسعًا في الأوساط القانونية والسياسية الفرنسية حول شرعية تنفيذ العقوبة فورًا رغم تقديم الاستئناف، إذ يرى خبراء القانون أن هذا الإجراء ينتهك مبدأ التقاضي على درجتين، ويقيد حق المرشحين في الدفاع عن أنفسهم، وهو حق مكفول بموجب المادة 16 من إعلان حقوق الإنسان والمواطن لعام 1789 التي تضمن مبدأ الفصل بين السلطات وحماية الحقوق الفردية.
كما اعتبر خبراء القانون أن التنفيذ الفوري لعقوبة عدم الأهلية يمس بحرية الناخبين، لأنها تحرمهم من اختيار ممثلهم قبل أن يُبت نهائيًا في القضية، ما يضع مؤسسات الدولة أمام معضلة أخلاقية وسياسية بين الشفافية القضائية والتمثيل الشعبي.
صراع بين العدالة والسياسة
وباتت القضية تمس أكثر من مجرد مصير سياسي لشخصية مثيرة للجدل؛ إذ تعكس صراعًا أعمق بين القضاء والسياسة في فرنسا الحديثة.
فبينما تدافع الحكومة عن ضرورة “النزاهة الأخلاقية في الحياة العامة”، يرى منتقدو القرار أنه تعبير عن نزعة قضائية لإقصاء خصوم سياسيين عبر مسارات قانونية مبهمة.
وبحسب مجلة “لو بوان” الفرنسية، فإن القرار أثار قلقًا متزايدًا داخل أروقة اليمين، حيث اعتبره بعض قياديي “التجمع الوطني” محاولة لتقويض الخيار الشعبي الذي تمثله لوبان، خاصة في ظل التحضيرات المبكرة للاستحقاقات الرئاسية المقبلة.
من جانبه، قال الدكتور أرنو ليغران أستاذ القانون العام في جامعة “باريس 1 بانتيون-سوربون”، في تصريح لـ”العين الإخبارية” إن “ما يحدث مع لوبان يسلّط الضوء على ثغرة دستورية في النظام القضائي الفرنسي، فتنفيذ العقوبة قبل انتهاء جميع مراحل التقاضي يتعارض مع مبدأ العدالة الإجرائية”.
وأضاف أن “فرنسا اليوم أمام لحظة اختبار حقيقية لمدى استقلالية مؤسساتها القضائية عن الضغط السياسي”.
أما الباحثة كلير دومينيك دوفال، من المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، فقالت في تصريحات لـ”العين الإخبارية” إن القضية تحمل تداعيات أوروبية واضحة.
وأضافت أن “إقصاء لوبان لا يقتصر على السياسة الفرنسية، بل يعكس توازنات أوسع داخل الاتحاد الأوروبي، حيث يخشى كثيرون صعود التيارات القومية والشعبوية”.
واعتبرت أن “أي تساهل أو تشدد قانوني تجاه لوبان سيُقرأ في بروكسل كإشارة حول مستقبل العلاقة بين السيادة الوطنية والرقابة الأوروبية على المعايير الديمقراطية”.
مستقبل مفتوح على المجهول
ومع اقتراب موعد الانتخابات المقبلة، لا يزال الغموض يكتنف مصير لوبان السياسي؛ فقرار محكمة الاستئناف في باريس، المنتظر في الأشهر القادمة، قد يعيدها إلى السباق الانتخابي بقوة، أو يُنهي مسيرتها السياسية نهائيًا.
لكن المؤكد أن القضية تجاوزت شخص لوبان لتصبح اختبارًا لمتانة الديمقراطية الفرنسية في مواجهة التسييس المتزايد للمؤسسة القضائية.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز