انتخابات البرلمان و«ألغام التحديات».. العراق أمام «اختبار مفصلي»

في طريقه نحو انتخابات البرلمان، يقف العراق أمام اختبار مفصلي من شأنه أن يحدد ملامح المستقبل في بلد ينبض على وقع تحديات الداخل والخارج.
وهذه الأيام، تغطي شوارع مدن ومحافظات العراق، في ظل الحملة الدعائية للانتخابات البرلمانية المقرّرة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ملصقات المرشحين الذين يتنافسون على 329 مقعداً في البرلمان العراقي الجديد.
غير أن العراق، وهو يتجه نحو صناديق الاقتراع، يقف بمفترق طرق يتجاوز مجرد انتخابات عادية، إلى اختبار يضعه بين مشروع بناء الدولة المستقلة ودوامة صراع الإرادات الإقليمية والدولية.
ويرى خبراء أن المشهد السياسي يزداد تعقيداً مع تصاعد النفوذ الخارجي، والانقسامات الحزبية والطائفية، وضعف ثقة الشارع بالعملية الديمقراطية، وتنامي الأصوات المطالبة بإصلاح شامل.
ويعتقد هؤلاء، ومن بينهم الباحث في الشأن السياسي محمد حسن الساعدي، أن الانتخابات المقبلة قد تحدد ما إذا كان العراق سينجح في ترسيخ سيادته وبناء مؤسسات وطنية حقيقية، أم سيظل ساحة مفتوحة لتجاذبات الأطراف الإقليمية والدولية.
«اختبار حقيقي»
وقال الساعدي لـ”العين الإخبارية”، إن “اللاعبين الإقليميين والدوليين، وعلى رأسهم إيران والولايات المتحدة، يتابعون المشهد العراقي ويدعمون أطرافًا مختلفة بأدواتهم الخاصة”.
وحذر من أن “ذلك قد يدخل البلاد في دوامة صراع الإرادات ويضعف المسار الوطني المستقل”.
وأضاف أن “المشهد السياسي يعيش اضطراباً متزايداً نتيجة تراكم الأزمات وتراجع الثقة الشعبية بالعملية الديمقراطية”، مشيراً إلى أن “الانتخابات المقبلة قد تعيد رسم موازين القوى لكنها أيضاً اختبار حقيقي لقدرة الطبقة السياسية على تجاوز الانقسامات وتغليب المصلحة الوطنية”.
وبحسب الخبير، فإن “صعود القوى المستقلة والحركات الشبابية -مثل قوى تشرين- يشكل فرصة لبناء بديل وطني، إذا ما تمكنت من التوحد ضمن برنامج واقعي وتحالفات واسعة”.
ولفت إلى أن “المعادلة السياسية ستتأثر كذلك بمستقبل العلاقة بين التيار الصدري وقوى الإطار التنسيقي، إلى جانب الدور الكردي والسني في المفاوضات المقبلة”.
وقال إن “الانتخابات المقبلة ستكون لحظة مفصلية، فإما أن تفتح الباب أمام مشروع دولة حقيقية، أو تعيد إنتاج دوامة النفوذ الخارجي والانقسام الداخلي”.
«صراع»
من جانبها، قالت حنين الزبيدي، المرشحة للانتخابات البرلمانية عن تحالف “قوى الدولة الوطنية” بزعامة عمار الحكيم، أحد أقطاب الإطار الشيعي الحاكم، إن “الانتخابات البرلمانية المقبلة في العراق لا تمثل مجرد استحقاق ديمقراطي دوري، بل تشكل امتحاناً وجودياً للدولة العراقية وقدرتها على استعادة قرارها الوطني المستقل”.
فالسؤال الجوهري، بحسب الزبيدي، هو ما إذا كانت “بغداد قادرة على فرض سيادتها الحقيقية على مؤسساتها الأمنية والعسكرية، أم أنها ستبقى رهينة منظومة الولاءات المتشابكة التي جعلت من العراق ساحة صراع مفتوحة بين القوى الدولية والإقليمية”.
وأضافت في تصريح لـ”العين الإخبارية”، أن “ما يجري اليوم هو صراع بين مشروع الدولة الوطنية الذي يسعى إلى بناء مؤسسات مهنية خاضعة للقانون، ومشروع الدولة الموازية الذي يتغذى من الفساد والسلاح غير المنضبط والارتهان للخارج”.
وبالنسبة لها، فإن “نتائج الانتخابات المقبلة لن تُعيد رسم مستقبل العراق فحسب، بل قد تعيد تشكيل النظام الإقليمي بأكمله”.
واعتبرت أن “نجاح بغداد في ضبط سلاح الفصائل وإنهاء نفوذ القوى الخارجية سيمثل تحوّلاً جذرياً في موازين القوى في المنطقة، بينما فشلها سيكرّس تبعية العراق ويعمّق حالة الانقسام والضعف الداخلي”.
وقالت إن “العراق يقف اليوم أمام مفترق طرق: إما استعادة الدولة وفرض السيادة، أو استمرار الدوران في حلقة مفرغة من الفساد والهيمنة الأجنبية، في لحظة سياسية توصف بأنها الأخطر منذ عام 2003″، تاريخ سقوط نظام صدام حسين.
التحالف المقبل للحكومة
من جهته، قال النائب أحمد مظهر، عضو حزب تقدم (أحد أهم الأحزاب السياسية السنية)، إن “النقاش الدائر في الساحة السياسية العراقية تجاوز مسألة الانتخابات ذاتها”.
واعتبر مظهر، في حديثه لـ”العين الإخبارية”، أن “التركيز بات منصبا على ملامح المرحلة التالية لعملية الاقتراع، وعلى شكل التحالفات التي ستحدد طبيعة الحكومة المقبلة أكثر من الاهتمام بمجرى العملية الانتخابية نفسها”.
وأكد وجود صراعات إقليمية ودولية بشأن الانتخابات العراقية التي يعتبرها الكثير من المراقبين بأنها “مصيرية” وستحدد ملامح النظام السياسي للبلاد في ظل تفشي الفساد والسلاح غير المنضبط، معتبراً أن “التدخل الخارجي سيكون عامل غير مساعد في تشكيل الحكومة”.
وأشار مظهر إلى أن “المرحلة القادمة قد تشهد تبلور تحالف محتمل يضمّ حزب تقدّم والحزب الديمقراطي الكردستاني وائتلاف الإعمار والتنمية الذي يتزعمه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني”.
واعتبر أن “هذا التحالف يحمل في طياته عناصر قوة مؤثرة كالتقارب البراغماتي والمصالح المتبادلة، لكنه في الوقت ذاته يواجه تحديات سياسية معقدة قد تهدد تماسكه واستمراره”.
سيناريو وتجربة
وحذر مظهر من أن “أي محاولة لتجاوز الإطار التنسيقي في تشكيل الحكومة المقبلة، قد تفتح الباب أمام أزمة سياسية جديدة شبيهة بما حدث بعد انتخابات عام 2021، حين أدى استبعاد التيار الصدري إلى اضطرابات داخلية وانسداد سياسي”.
وأضاف أن “الإطار التنسيقي لا يزال يمثل القوة الأكثر تأثيراً على الساحتين السياسية والأمنية، وأن تهميشه من أي معادلة حكومية قادمة قد يدفعه إلى تكرار استخدام أدوات التعطيل داخل البرلمان، كما فعل سابقاً من خلال ما عُرف بـالثلث المعطِّل الذي حال دون تمرير الحكومة السابقة لفترة طويلة”.
ويستذكر النائب أحمد مظهر تجربة عام 2022، حين أعلن التيار الصدري وحزب تقدّم والديمقراطي الكردستاني تحالف الأغلبية الوطنية الذي تمكن من حشد أكثر من 200 نائب داخل البرلمان، لكنه فشل في تجاوز معادلة الثلث المعطل.
وأدى ذلك إلى تفاقم الأزمة السياسية وتحولها إلى صراع داخلي انتهى بانسحاب نواب التيار الصدري وتكليف السوداني بتشكيل الحكومة الحالية بدعم مباشر من الإطار التنسيقي، والذي تمكن آنذاك من استعادة زمام المبادرة وإعادة ترتيب المشهد السياسي.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز