مع نهاية الحرب.. إسرائيل تواجه «جيل غزة» الأمريكي لجبر ما انكسر

ربما تكون حرب غزة قد انتهت أخيرًا، لكن الخسارة الأكبر التي تكبدتها إسرائيل هو خسارتها دعم المواطنين في الولايات المتحدة حليفها الأهم.
وبعد عامين من حرب غزة تدهورت سمعة إسرائيل في الولايات المتحدة، ليس فقط في الجامعات أو بين التقدميين وهو ما يضع إسرائيل في مواجهة اختبار صعب خلال الفترة القادمة وذلك وفقا لما ذكرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في تحليل لها.
الصحيفة التي تستطلع رأي الأمريكيين منذ عام 1998 بشأن تعاطفهم مع إسرائيل وفلسطين، كشفت أن استطلاعها الأخير الذي أجرته الشهر الماضي، أظهر وللمرة الأولى أن عدد المستطلع رأيهم الذين انحازوا إلى الفلسطينيين أكبر بقليل من عدد الذين انحازوا إلى الإسرائيليين.
وأشارت الصحيفة أيضا إلى التحول في موقف اليهود الأمريكيين الذين كانوا أقوى داعمي إسرائيل في الولايات المتحدة، والذين أصبحوا الآن أكبر منتقدي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية بسبب الصراع في غزة وهو ما كشفه استطلاع جديد لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية.
ووجد الاستطلاع أن أغلبية اليهود الأمريكيين يعتقدون أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب حيث قتلت عشرات الآلاف من المدنيين وقيدت المساعدات الغذائية في حين يعتقد 4 من كل 10 أنها ارتكبت إبادة جماعية.
ووفقا لـ”نيويورك تايمز”، فإن هذا التحول في المواقف دفع حتى الديمقراطيين المعتدلين في الكونغرس لاتخاذ موقف صارم تجاه إسرائيل، بما في ذلك دعم تقليص المساعدات العسكرية الأمريكية.
ولم يقتصر الأمر على الديمقراطيين بل امتد أيضا إلى الجمهوريين فرغم مساعيهم لربط الحزب بإسرائيل إلا أن المسيحيين الإنجيليين الشباب ينشقون عن آبائهم في هذه القضية حيث يرى هؤلاء أن إسرائيل ليست ضحية بل هي جهة تمارس الاضطهاد.
وفي البودكاست الذي يقدمه الإعلامي الأمريكي تاكر كارلسون، قالت المعلقة المحافظة ميجين كيلي الشهر الماضي “كل من هم دون سن الثلاثين يعارضون إسرائيل”.
وبحسب “نيويورك تايمز” فالسؤال الآن: هل فقدت إسرائيل دعم الشباب الأمريكي على المدى الطويل، وما الذي يمكن أن يفعله مؤيدو إسرائيل لمواجهة ذلك؟.
يرى شيبلي تلحمي، خبير استطلاعات الرأي والباحث في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بجامعة ماريلاند أن “الأوان قد فات” وقال “لدينا الآن جيل غزة.. كما كان لدينا جيل فيتنام وجيل بيرل هاربور”.
وأوضح “هناك شعور متزايد بين الناس بأن ما يشهدونه هو إبادة جماعية وهو شعور تضخمه وسائل الإعلام الجديدة التي لم تكن موجودة خلال حرب في فيتنام” وأضاف “إنه جيل جديد ينظر إلى إسرائيل على أنها شريرة.. ولا أعتقد أن هذا سيزول على الأرجح.”
وأعرب يوسي كلاين هاليفي، الكاتب الإسرائيلي المولود في أمريكا عن دهشته خلال جولة جامعية قام بها مؤخرًا في الولايات المتحدة ليس بسبب خطاب النشطاء المناهضين للصهيونية الذين التقى بهم، بل بسبب مدى تأثيرهم على نظرائهم غير السياسيين.
في المقابل، يرى البعض أن انتهاء القتال، وانتهاء الصور المروعة من غزة والتي غمرت مواقع التواصل الاجتماعي خلال عامين، قد يسمح بعودة التأييد لإسرائيل وأعربت هالي سويفر، الرئيسة التنفيذية للمجلس الديمقراطي اليهودي الأمريكي عن اعتقادها بأن “النظرة إلى إسرائيل ستتغير بعض الشيء”.
وقالت داليا شيندلين، خبيرة استطلاعات رأي إسرائيلية أمريكية “هناك مجال للتعافي.. يميل الناس إلى المبالغة في تقدير حجم الضرر.. إن وقف المذبحة سيسمح للبعض بالعودة إلى منطقة الدعم المريحة”.
وما يدعم هذا الرأي هو الاعتقاد بأن أساس العلاقة الأمريكية الإسرائيلية لا يزال متينًا خاصة في ضوء المصالح الوطنية المشتركة، مثل التعاون الاستخباراتي والعسكري والتكنولوجي لكنه تعاون أكثر وضوحًا للمسؤولين منه لعامة الناس.
وقال أفنير غولوف، المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي “نحن رصيد في منافسة القوى العظمى ضد الصين. نحن في صميم المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط”.
ويقول الخبراء إن الانتخابات في إسرائيل العام المقبل قد تُغير الأمور خاصة إذا أطاحت برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وإذا عكست الحكومة الجديدة التوازن السياسي الواسع في البلاد.
ومهما كانت صعوبة إصلاح العلاقة وكسب ود الأمريكيين، يتفق الخبراء على أن إسرائيل لن يكون أمامها خيار سوى المحاولة في ظل العزلة الدولية التي تواجهها الآن.
وقال تيد ساسون، الأستاذ في كلية ميدلبري وزميل في معهد إسرائيل لدراسات الأمن القومي إن تل أبيب “بحاجة ماسة للولايات المتحدة.. ليس لديها ملاذ آخر تلجأ إليه.. وسيتعين عليها بذل جهد أكبر لإقناع الكونغرس والرئيس الأمريكي المستقبلي بتقديم نوع الدعم الذي قدمه الرئيسين الحالي دونالد ترامب والسابق جو بايدن”.
أما تيد دويتش، رئيس اللجنة اليهودية الأمريكية، فاعتبر أن نهاية الحرب تعني نهاية التركيز العالمي على إدارة إسرائيل لها.
ومع ذلك، يظل البعض أقل تفاؤلا مثل مورت كلاين، زعيم المنظمة الصهيونية الأمريكية اليمينية، الذي قال إنه يخشى أن تكون الحرب قد أضرت بالمواقف تجاه إسرائيل بشكل لا رجعة فيه.
وفي كل الأحوال فلا خلاف على المخاطر التي تواجهها إسرائيل وأشار تلحمي، الأستاذ بجامعة ميريلاند، إلى أن اعتماد إسرائيل على الدعم الأمريكي أصبح واضحًا للغاية خلال الحرب لدرجة أن إسرائيل ستعتبر هزيمتها المحتملة أمام الرأي العام الأمريكي “تهديدًا وجوديًا”.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز