اسعار واسواق

أزمة المعادن النادرة تشل مصانع أمريكا.. والصين تمسك بالورقة الأقوى


في مشهد اقتصادي عالمي متشابك، بدأت مصانع أمريكية كبرى مثل فورد ولوكهيد مارتن في التوقف عن العمل نتيجة نقص حاد في المغناطيسات عالية القوة، وهي مكونات أساسية تعتمد على المعادن النادرة التي تسيطر الصين على أكثر من 90% من إنتاجها عالميا.

 هذا النقص لا يهدد فقط القطاع الصناعي المدني، بل يمتد ليطال القدرات الدفاعية الأمريكية، ما دفع واشنطن إلى إعادة التفكير في استراتيجيتها تجاه بكين.

بحسب تحليل نشرته مجلة «فورين بوليسي»، تبدو المواجهة الاقتصادية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووزير خزانته سكوت بيسنت من جهة، ونظيريهما في بكين من جهة أخرى، أشبه بلعبة بوكر سياسية عالية المخاطر، تمتلك فيها الصين أوراقًا أقوى، فيما تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة إلى التراجع في أكثر من جولة تفاوضية.

فمنذ أبريل/نيسان الماضي، خاض الطرفان خمس جولات تفاوضية متتالية، بدأت بفرض واشنطن رسومًا جمركية على واردات من 57 دولة، لترد الصين بخطوة أكثر تأثيرًا، تمثلت في فرض قيود على تصدير المعادن النادرة المستخدمة في صناعة محركات السيارات والطائرات والصواريخ. تلك الخطوة مثّلت أول “ورقة رابحة” في يد بكين.

ومع تصاعد التوتر، بدأ أثر الأزمة ينعكس على أرض الواقع، إذ واجهت الشركات الصناعية الأمريكية الكبرى تعطلات متزايدة في خطوط إنتاجها بسبب نقص المكونات الحيوية. ووفق مراقبين في واشنطن، أدركت الإدارة الأمريكية أن استمرار الأزمة يهدد أمنها الاقتصادي والعسكري على حد سواء.

وفي جولة لندن من المفاوضات، رضخت واشنطن لمطالب بكين بتخفيف الحظر المفروض على شرائح الذكاء الاصطناعي الخاصة بشركة “إنفيديا”، مقابل تخفيف القيود الصينية على تصدير المعادن النادرة. ورغم اعتراض دوائر الأمن القومي الأمريكي على الخطوة، فإن فريق ترامب بررها بأنها ضرورية لـ«ضمان تشغيل مصانع الدفاع».

أما جولة مدريد، فقد تمخضت عن اتفاق يتعلق بصفقة تطبيق “تيك توك”، حيث حصل المستثمرون الأمريكيون على 80% من ملكية التطبيق، بينما احتفظت الشركة الأم الصينية «بايت دانس» بالتحكم في الخوارزمية الأساسية.

ورغم أن الصفقة وُصفت بأنها رمزية، فإنها عكست استعداد ترامب لمرونة تكتيكية في التعامل مع الصين، مقابل تحقيق مكاسب سياسية داخلية قبيل الانتخابات التشريعية.

ورغم أن ملف الرسوم الجمركية لا يزال مفتوحًا، يواصل الجانبان العمل على اتفاق شامل متوقع الإعلان عنه بعد قمة آسيا-المحيط الهادئ في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

غير أن هذه التطورات تخفي وراءها حقيقة أعمق: فقد فشلت الولايات المتحدة في الاستعداد مبكرًا لتقليص اعتمادها على الصين في سلاسل التوريد الحيوية.

فمنذ أكثر من عقد، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ صراحةً هدفه في جعل العالم يعتمد على الصين في الصناعات الأساسية، بينما تسعى بلاده إلى التحرر من الاعتماد على الآخرين.

واليوم، يدرك ترامب أن كسر احتكار الصين للمعادن والمكونات الحيوية لم يعد ممكنًا في المدى القريب.

ورغم امتلاك واشنطن أوراق قوة مؤثرة — من الريادة في صناعة أشباه الموصلات وهيمنة الدولار وشبكة التحالفات العالمية — فإن السبيل الواقعي للمضي قدمًا يتمثل في الاعتراف بالترابط العميق بين الاقتصادين الأمريكي والصيني، والسعي نحو توازن في الاعتماد المتبادل بدلاً من الصراع الصفري الذي أثبتت التجربة أنه مكلف للطرفين.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=

جزيرة ام اند امز

NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى