اخبار الامارات

التأثيرات المتباينة لمنصات التواصل الاجتماعي في التعليم ‹ جريدة الوطن

 

الاستخدام المسؤول:

التأثيرات المتباينة لمنصات التواصل الاجتماعي في التعليم

 

 

 

تطورت على مدار العقود الثلاثة الماضية شبكة المعلومات الدولية، لتتحول من مجرد وسيط لتوزيع معلومات يمكن قراءتها فقط من قِبل المستخدمين، إلى منظومة تتيح للأفراد التفاعل ومشاركة وتحديث كم هائل للغاية من المعلومات التي يتم إنتاجها بشكل لا مركزي. ويعني ذلك أن الإنترنت بات قناة عالمية تفاعلية تتيح لمستخدميها إنتاج واستهلاك المحتوى الرقمي.

وقد تزامن ذلك مع نمو وسائل التواصل الاجتماعي، التي تشير إلى مجموعة من الأدوات والمنصات التي تيسر التفاعل والنقاش ومشاركة أشكال متعددة من المحتوى (النصوص، والفيديو، والملفات الصوتية، والصور.. إلخ)؛ حيث صارت هذه المنصات في الوقت الحالي جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية لمئات الملايين من الأفراد حول العالم، وذات تأثير ضخم في مناحي الحياة كافة تقريباً، ومن بينها التعليم؛ لذا وتزامناً مع بداية العام الدراسي في العديد من الدول حول العالم والمنطقة العربية، يتناول هذا التحليل تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في نظم التعليم وكيفية تعزيز الاستفادة منها.

مزايا التوظيف:

هناك مزايا عديدة لتوظيف وسائل التواصل الاجتماعي في نظم التعليم، منها الآتي:

1- فرص أكبر للتواصل: تتيح تلك الوسائط الرقمية، مثل (واتس آب، وفيسبوك، وغيرهما)، للطلاب التواصل خارج ساعات التدريس الرسمية؛ حيث يمكنهم طرح الأسئلة ومناقشة الموضوعات المختلفة وتشارُك المواد العلمية؛ ما يسمح بمشاركة أوسع نطاقاً. وهذا أمر مهم لا سيّما في سنوات الدراسة الأولى؛ حيث يحتاج الطلاب الأصغر سناً إلى إرشاد أطول وردود أسرع.

2- إنشاء مجتمعات افتراضية للتعلم: تتيح تلك الوسائط للطلاب التواصل مع زملائهم في مجموعات للدراسة والتعاون في المشاريع البحثية، فضلاً عن إتاحة مصادر حديثة ومتنوعة لا توجد عادةً في الكتب المقررة. وبهذا تتيح منصات التواصل للطلاب العمل معاً والتعاون بشأن المشاريع البحثية المشتركة في أي وقت ومن أي مكان، وتتيح منصات تعليمية مثل “جوجل كلاس روم” ((Google Classroom تلك الميزة بوضوح.

3- الوصول إلى ثروة هائلة من المعلومات: تتيح وسائل التواصل الاجتماعي لمستخدميها الوصول إلى كم هائل من المصادر التعليمية، التي تكمل وتثري ما يتم تعلمه عبر وسائل التعلم التقليدية. ويسهم تحليل المعلومات من مصادر متنوعة في تنمية مهارات التفكير النقدي لدى الطلاب.

4- تعزيز المهارات الرقمية: تساعد هذه المنصات الطلاب على تطوير مهاراتهم الرقمية الأساسية التي تُعد شيئاً ضرورياً لحياتهم الأكاديمية والمهنية.

عيوب مضادة:

في مقابل المزايا السابقة، توجد عيوب أخرى لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في التعليم، منها الآتي:

1- التشتت وتقليل الانتباه: يكون ذلك بسبب التنويهات المستمرة والميل الدائم لدى المستخدمين للاطلاع على الجديد؛ مما يُنذر بخفض الإنتاجية والتأثير سلباً في التركيز. وقد يؤثر الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي سلباً في الأداء الدراسي؛ حيث إنه يشتت انتباه الطلاب ويصرف اهتمامهم عن الأنشطة المهمة، مثل أداء الواجبات الدراسية، والتواصل المباشر مع أفراد العائلة. ولهذا الأمر تأثيرات سلبية في الطلاب في السنوات التعليمية الأولى، التي يحتاجون فيها لتعلم مفاهيم ومهارات تأسيسية سوف تساعدهم فيما بعد في مسيرتهم التعليمية. وبسبب إدمان وسائل التواصل الاجتماعي، ربما يكون المستقبل الدراسي برمته في خطر.

2- مخاطر انعدام الأمان والخصوصية: يظهر ذلك لدى الطلاب الصغار الذين يواجهون مخاطر التعرض لمضامين غير ملائمة من الناحية الأخلاقية، والتنمر الإلكتروني؛ ولهذا تبدو الحاجة مُلحة لتدريب الطلاب على كيفية حماية بياناتهم الشخصية وهم يتصفحون الإنترنت. ويتضمن التنمر الإلكتروني نشر رسائل ضارة يُقصد من بثها إيذاء المتلقي، مثل نشر أخبار كاذبة وشائعات عن أحد الطلاب أو القائمين على التدريس. وتُعد المنصات الرقمية مكاناً مفضلاً لممارسة التنمر؛ بسبب القدرة على إخفاء الهوية، وإمكانية بث الكراهية على نطاق واسع. ويمكن أن يترتب على ذلك تنمر على أرض الواقع، وتشتيت انتباه الطالب على نحو ينال بالسلب من صحته النفسية وأدائه الأكاديمي.

3- التواصل الشكلي: يتسم التواصل عبر تلك الوسائط بأنه مصطنع ومحدود، وتفتقر عملية التواصل عبر الإنترنت بطبيعتها إلى العمق وغيره من السمات التي تميز التواصل المباشر وجهاً لوجه، على نحو قد يؤثر سلباً في العلاقات الشخصية.

4- الأخبار المضللة: تُعد وسائل التواصل الاجتماعي أداة مناسبة لنمو وانتشار الأخبار الزائفة، وربما تعرض الطلاب لمثل هذا التضليل المعلوماتي يؤثر سلباً في فهمهم الموضوعي لبعض القضايا. وفي هذا الصدد، تبرز أهمية تنمية مهارات التفكير النقدي، وتعليم الطلاب كيفية التيقن من صحة المعلومات قبل قبولها ومشاركتها.

مقاربات حكومية:

يمكن القول إن ثمة مقاربات رئيسية لتنظيم توظيف وسائل التواصل الاجتماعي في نظم التعليم حول العالم، وربما تتراوح هذه المقاربات بين الحظر الجزئي والتنظيم المقيد من ناحية، والإتاحة وتعزيز الاستخدام المسؤول من ناحية أخرى، كالتالي:

1- الحظر الجزئي والتنظيم المقيد: يُعد جوهر هذه الاستراتيجية منع الأطفال والمراهقين دون سن معينة من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أو إغلاق تطبيقات محددة؛ انطلاقاً من أن هذا الحظر ضروري لحماية الصحة العقلية ورفاه الأطفال والمراهقين؛ إذ تتفوق مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي، وفق تلك الرؤية، كالتنمر الإلكتروني والتعرض للمحتوى الضار، على النواحي الإيجابية.

ومن أمثلة الدول التي تطبق تلك المقاربة، أستراليا؛ حيث مررت حكومتها في نوفمبر 2024 قانون الأمان على الإنترنت (Online Safety Amendment)، الذي يحظر استخدام الأطفال دون 16 سنة لوسائل التواصل الاجتماعي. ويقتصر الحظر على المنصات التي يكون هدفها الوحيد أو الأبرز تمكين المستخدمين من نشر محتوى على الإنترنت والتفاعل الاجتماعي مع الآخرين، وتشمل “فيسبوك” و”تيك توك” و”سناب شات”. فيما يستثني القانون من ذلك تطبيقات مثل “واتس آب” و”جوجل كلاس روم”، والتطبيقات الأخرى التي تستهدف بصفة رئيسية تنمية مهارات التعلم لدى المستخدمين.

ويسعى هذا القانون إلى جعل تلك المنصات تتخذ خطوات معقولة لمنع من هم أقل من 16 سنة من امتلاك حساب إلكتروني، لكن مشروع القانون غامض بخصوص تحديد كيف يمكن للمنصات المختلفة إنفاذ هذا الحظر، فضلاً عن كيفية التعامل مع ملايين الحسابات الموثقة بالفعل لمن هم أقل من هذا السن. ويبدو أن القانون لا يمكنه منع من يقعون في تلك الفئة العمرية الحرجة من مشاهدة المحتوى الضار على وسائل التواصل الاجتماعي؛ لكنه فقط يمنعهم من أن يكون لهم حساب خاص.

وربما يأتي تمرير حكومة أستراليا هذا القانون كرد فعل على حملة (Let Them Be Kids)، التي تضمنت تقارير عن أطفال ومراهقين استخدموا وسائل التواصل الاجتماعي ثم انتهى بهم الأمر إلى الانتحار. كما واجهت الحكومة الفدرالية ضغوطاً سياسية من حكومات الولايات والمعارضة لتقديم القانون، وترى الحكومة أن من هم أقل من 16 سنة يمثلون الفئة العمرية الأكثر هشاشة وعُرضة للتأثر بالتداعيات السلبية للمنصات الاجتماعية.

وفي تطور مشابه، قررت حكومة ألبانيا، في مارس 2025، إغلاق تطبيق “تيك توك” لمدة 12 شهراً؛ حيث ترى أن هذا التطبيق مسؤول عن تفشي ظاهرة العنف بين المراهقين والأطفال. وتحاول الحكومة التواصل مع مديري “تيك توك”، لإدخال ضمانات مثل الرقابة الأبوية والتحقق من السن. ويأتي هذا القرار على خلفية قيام مراهق بطعن آخر في نوفمبر من العام الماضي، إثر شجار بدأ في العالم الافتراضي على التطبيق، فضلاً عن تنامي المخاوف بين الآباء عن تقارير تقول إن بعض أشكال المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي تشكل حافزاً للعديد من الأطفال على إحضار السكاكين إلى المدارس أو التنمر كرد فعل على محتوى شاهدوه. وقد عززت الحكومة الألبانية وجود الشرطة في بعض المدارس، بالإضافة إلى تقديم برامج لتوعية الطلاب والمدرسين وأولياء الأمور بمخاطر وسائل التواصل الاجتماعي.

وواقع الأمر أن مقاربة الحظر قد لا تخلو من انتقادات واضحة، ويرى منتقدوها أن ثمة إجراءات أخرى قد تكون أكثر فعالية، مثل أن تضمن الحكومة اتخاذ منصات التواصل الاجتماعي إجراءات تحكُم أكبر للمستخدمين فيما يُعرض عليهم من محتوى، مثل تمكينهم من تغيير أو إعادة ضبط الخوارزميات الشخصية، فضلاً عن سن قانون لحماية الأطفال خلال تصفحهم. وفي وقت تتسارع فيه خطى التقدم التقني واستخدام الذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية؛ يبدو تعليم الأطفال والمراهقين كيفية الاستفادة من هذه المنصات الرقمية بصورة آمنة خياراً أكثر فعالية لحمايتهم من الضرر.

2-الإتاحة والاستخدام المسؤول: في ظل تلك الاستراتيجية، لا تفرض الحكومات قيوداً صارمة على توظيف منصات التواصل؛ حيث تُبدي تسامحاً حيال التوظيف المتزايد لهذه المنصات. وتنطلق هذه المقاربة من التسليم بأهمية التواصل عبر العالم الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي، ومحاولة ترويض هذه الأدوات، بما يعظم قيم الاستخدام المسؤول لها.

وتبرز في هذا الصدد، تجربة فنلندا، التي اعتمدت سياسات رقمنة التعليم والتدريب حتى عام 2027، وتهدف إلى ترسيخ مكانتها كدولة رائدة عالمياً في مجال التحول الرقمي المستدام في التعليم. وتحدد هذه السياسات إطاراً شاملاً لدمج الأدوات والبيئات والكفاءات الرقمية في جميع مستويات التعليم من مرحلة الطفولة المبكرة إلى التعليم العالي. وتؤكد الاعتبارات الأخلاقية، بما يضمن استفادة كل متعلم ومعلم من التطورات التكنولوجية. وفي إطار تعزيز الاستخدام المسؤول لهذه الأدوات التكنولوجية، أقرت فنلندا في أواخر إبريل 2025 تشريعاً يفرض قيوداً على استخدام الأجهزة المحمولة خلال ساعات الدراسة؛ حيث لن يُسمح للطلاب باستخدامها إلا بإذن من المعلم لأغراض الرعاية الصحية أو التعلم.

كما يشجع عدد متزايد من الدول العربية وجود منصات تعليمية متخصصة عبر الإنترنت، مثل (Blackboard) و(Thinqi)، وخاصةً في الجامعات؛ حيث توفر هاتان المنصتان حرماً جامعياً افتراضياً يتمكن فيه الطلاب والأساتذة من الوصول إلى المقررات العلمية والتفاعل والنقاش بخصوصها، وتوفير بيئة تعلُّم رقمية منضبطة.

التوازن الصعب:

يتمثل التحدي الأكبر أمام الدول في كيفية تحقيق التوازن بين اكتساب المهارات الرقمية والتواصل عبر التكنولوجيا الحديثة، التي يمكن أن تساعد على عملية التعلم؛ وفي نفس الوقت وضع حدود وضوابط ملائمة لهذا التوظيف من أجل تفادي السلبيات.

وفي هذا الإطار، يتعين على الدول عدم التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من الأدوات التكنولوجية من منظور سطحي، بل عليها تبني إجراءات خلاَّقة مثل تعزيز المهارات الرقمية، ودعم الخيارات الواعية، وتطبيق ضمانات قوية للاستفادة من هذه المنصات في مجالات عديدة، ومنها التعليم. ويُقترح هنا الاهتمام بالمناهج التي تُعلم الطلاب في سن مبكرة التفكير النقدي، وكيفية التعامل مع المحتوى على الإنترنت، والتمييز بين المعلومات الموثوقة والمضللة، مع تعاون الحكومات مع شركات التكنولوجيا الكبرى التي تمتلك المنصات ذائعة الانتشار من أجل إزالة المحتوى الضار وحماية خصوصية الطلاب وتعزيز الاستفادة من هذه المنصات في العملية التعليمية وغيرها، وذلك بالتوازي مع وجود برامج توعية للأسرة حول كيفية متابعة نشاط الأبناء على المنصات الاجتماعية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى