«الأمم المتحدة 80».. الجمعية العامة تعاين الأضرار بلا إجابات

من الحروب إلى قضايا الميزانية والهوية.. تلقي أزمات متعددة بظلالها على الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة.
فعندما يجتمع قادة العالم في مدينة نيويورك هذا الأسبوع لحضور الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، ستحتفل المنظمة بالذكرى الثمانين لتأسيسها لكن الأجواء أبعد ما تكون عن الاحتفال، في ظل اشتعال الحروب في جميع أنحاء العالم، وظهور أزمة مالية، وهو ما يثير التساؤلات حول ما إذا كانت المنظمة الدولية لا تزال ذات أهمية.
في كل عام، يستغل مسؤولو الأمم المتحدة وقادة العالم الاجتماع السنوي لطرح أفكار نبيلة وخرائط طريق مفصلة للتغيير لكن التقدم الملموس لا يزال بعيد المنال بحسب تحليل نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.
وأشارت الصحيفة إلى حرب أوكرانيا المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات وحرب غزة التي تقترب من نهاية عامها الثاني في حين لا يزال العالم بعيدًا عن تحقيق أهدافه في التنمية وحل أزمة تغير المناخ.
وحتى عمل الأمم المتحدة في مجال المساعدات الإنسانية العالمية وهو أحد المجالات القليلة التي واصلت فيها المنظمة التفوق أصبح الآن مهددًا بسبب تخفيضات الميزانية، ولامبالاة المانحين، وتقليص عدد الموظفين.
وقال ريتشارد جوان، مدير شؤون الأمم المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية “يمكننا القول إننا في منظمة في حالة من الانهيار التام” وأضاف أن أعمال الجمعية العامة “لن تقدم لنا إجابات واضحة لجميع مشكلات الأمم المتحدة، لكنها قد تمنحنا إحساسًا أكثر وضوحًا بمدى صعوبة الوضع”.
ومع ذلك، يُعد الاجتماع السنوي منصة مهمة فإلى جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سيجتمع أكثر من 140 من قادة العالم وكبار المسؤولين والوفود من مختلف الدول فيما يُطلق عليه الدبلوماسيون “كأس العالم للدبلوماسية”.
وسيُعقد هذا الاجتماع على خلفية الحروب في أوكرانيا والسودان وغزة ومن المتوقع أن يكون سلوك إسرائيل في غزة، ومعاناة الفلسطينيين وتجويعهم، من بين الموضوعات التي تهيمن على اجتماعات هذا العام.
وغدا الإثنين، ستحتل فكرة الدولة الفلسطينية مركز الصدارة في مؤتمر تستضيفه فرنسا والمملكة العربية السعودية الذي سيشهد اعترافا واسعا بفلسطين وهو ما تعارضه إسرائيل والولايات المتحدة التي اعتبر وزير خارجيتها أن هذه الخطوة ستجعل حماس “تشعر بمزيد من الجرأة” محذرا من رد فعل إسرائيلي عنيف.
وفي اليوم الأول من إلقاء الكلمات يوم الثلاثاء، سيعود ترامب إلى منبر الأمم المتحدة ليلقي خطابه الأول في ولايته الثانية داخل المنظمة التي لم يتجاهلها تماما رغم توتر علاقته بها فقال في فبراير/شباط الماضي “هناك آمال كبيرة عليها، لكنها لا تُدار بشكل جيد؛ بصراحة، لا تؤدي وظيفتها على أكمل وجه.. “عليهم أن يرتبوا أمورهم”.
ويقول دبلوماسيون ومسؤولون في الأمم المتحدة إنهم سيراقبون عن كثب خطاب ترامب أمام الجمعية العامة بحثًا عن مؤشرات على كيفية تعامل إدارته مع الأمم المتحدة في العام المقبل بعدما أمر بمراجعة تعاملات الولايات المتحدة مع المنظمة، وخفض تمويل العديد من برامجها، وانسحب من العديد من وكالاتها، وكذلك من اتفاقية باريس بشأن الاحتباس الحراري.
وفي حفل استقبال أقامته للجمعية العامة، قالت دوروثي شيا، القائمة بأعمال السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة إن “الولايات المتحدة تقترب من هذه الدورة برؤية واضحة، متجذرة في ثلاث أولويات راسخة: السلام والسيادة والحرية”.
وقبل أيام، قال الأمين العام أنطونيو غوتيريش إنه “سيكون سعيدًا” بلقاء ترامب حيث أنه لم يلتقِ به أو يتحدثا إليه منذ عودته للبيت الأبيض في يناير/كانون الأول الماضي وذلك رغم محاولات التواصل العديدة التي بذلها .غوتيريش، وفقًا لدبلوماسيين ومسؤول كبير في الأمم المتحدة.
وفي إشارة واضحة إلى ميل ترامب للعب دور صانع السلام، اقترح غوتيريش أنه بإمكانهما العمل معًا بطرق مبتكرة لحل النزاعات العالمية.
وهذا العام، يتجلى القلق بشأن الوضع المالي للمنظمة بشكل واضح حيث تعاني الأمم المتحدة حاليًا من نقص في السيولة، بسبب تأخر الدول في سداد اشتراكاتها الإلزامية أو لا تدفعها على الإطلاق.
وقد تمنع أزمة الميزانية الأمم المتحدة من إدارة وكالاتها وبعثات حفظ السلام التابعة لها، بعد تخفيضاتٍ من الدول الأعضاء، وخاصةً من الولايات المتحدة، التي كانت أكبر مانحٍ لها.
وحتى الآن لم يقدم مانحون كبار آخرون، مثل الصين واليابان والاتحاد الأوروبي، أي زيادة في مساهماتهم المالية لتعويض خسارة التمويل الأمريكي حتى أن الصين أجّلت سداد مستحقاتها المالية للأمم المتحدة هذا العام.
وقال روبرت أ. وود، نائب السفير الأمريكي السابق لدى الأمم المتحدة إن أزمة الميزانية تُعدّ بمثابة “حريقٍ مُستعرٍ في الأمم المتحدة.. لا نعلم إن كان هناك فريق إطفاءٍ سيهبُّ للإنقاذ” وأضاف “ينبغي أن تكون الولايات المتحدة، لكنها تُسبّب بعض الحريق”.
وحاول غوتيريش استباق الأزمة الوشيكة بخطة إصلاح تُسمى “الأمم المتحدة 80″، والتي تدعو إلى تبسيط الخدمات الإدارية، والتخلص من التكرار، وتقليص آلاف المهام، ونقل بعض الموظفين من مراكز باهظة التكلفة مثل نيويورك وجنيف.
وتعكس ميزانية الأمم المتحدة المقترحة الجديدة سعي المنظمة للحفاظ على نفسها من خلال تقليص حجمها بهدف خفض الميزانية الإجمالية لعام 2026 بنحو 500 مليون دولار، وهو ما يُترجم إلى خفض الميزانية بنحو 15% وتقليص عدد الموظفين بنسبة 19%، وفقًا لمسؤولين كبيرين في الأمم المتحدة.
وأضاف المسؤولان أن ميزانية حفظ السلام ستشهد خفضًا بنسبة 11.2% وتخفيضًا في الوظائف بنسبة 13%.
ومع ذلك، حذر غوتيريش، في رسائل إلى الدول الأعضاء وموظفي الأمم المتحدة، من أن التخفيضات لن تحل مشكلة السيولة الفورية وقال إنها تهدف بدلاً من ذلك إلى تحسين وضع المنظمة في مواجهة تحديات متعددة.
وفي فعالية للاحتفال بالذكرى الثمانين لتأسيس الأمم المتحدة، يوم الجمعة الماضي، دافع غوتيريش عن إرث المنظمة ومستقبلها، قائلاً “دعونا نحتفل ليس فقط بما تم إنجازه بل بما لا يزال في المستقبل”.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=
جزيرة ام اند امز