اسعار واسواق

فرنسا تتخلى عن قفاز الدبلوماسية.. خطوة خشنة تجاه مالي


أمام تراجع نفوذها في الساحل الأفريقي عموماً وفي مالي على وجه الخصوص، تخلّت فرنسا عن الهدوء الدبلوماسي وتبنّت نهجاً تصعيدياً.

ويعتقد خبراء أن فرنسا، مع شعورها بالعجز أمام تقدّم خصم استراتيجي مثل روسيا في مناطق نفوذها السابقة، بحاجة إلى رسائل واضحة.

وقال الخبراء في الشؤون السياسية والأمنية إن التصعيد الأخير بين فرنسا ومالي يمثّل منعطفاً خطيراً في العلاقات بين البلدين، بعد إعلان باريس تعليق تعاونها في مجال مكافحة الإرهاب وطرد دبلوماسيين ماليين، ردّاً على اعتقال دبلوماسي فرنسي في باماكو.

وبينما ترى فرنسا أن ما جرى “انتهاك صارخ للقانون الدولي”، تعتبر السلطات المالية أن باريس تحاول التدخل في شؤونها الداخلية وتعرقل مساعيها لإعادة رسم تحالفاتها الاستراتيجية مع روسيا.

من جانبه، قال الدبلوماسي الفرنسي السابق في منطقة الساحل الأفريقي نيكولا نورماند لـ”العين الإخبارية” إن قرار فرنسا “رسالة سياسية أكثر منه خطوة أمنية”، موضحاً أن “فرنسا تجد نفسها أمام معضلة مزدوجة: فمن جهة، لم تعد قادرة على فرض نفوذها في الساحل كما كان في السابق، ومن جهة أخرى، يضعها انحياز مالي نحو روسيا في مواجهة مباشرة مع خصم استراتيجي. تعليق التعاون هو وسيلة ضغط، لكنه أيضاً اعتراف ضمني بتراجع الدور الفرنسي في المنطقة”.

ورأى نورماند أن الأزمة الحالية “نتاج تراكمات من سوء التفاهم وفقدان الثقة”، موضحاً أن “مالي ترى أن فرنسا لم تنجح في القضاء على الإرهاب رغم عشر سنوات من التدخل العسكري، بينما الفرنسيون يعتبرون أن باماكو استبدلت شريكاً استراتيجياً بآخر لا يقل إثارة للجدل مثل روسيا”.

وتابع: “النتيجة أن الشعب المالي هو الخاسر الأكبر، لأنه يظل عالقاً بين تهديد الإرهاب وتنافس القوى الكبرى”.

في المقابل، قال الباحث المالي في معهد أبحاث السلام الدولي والمتخصص في قضايا الساحل وغرب أفريقيا الدكتور عيسىكا ك. سواره لـ”العين الإخبارية” إن ما يجري “انعكاس لتحول عميق في علاقة مالي بالقوى الدولية”.

وأضاف سواره: “منذ وصول المجلس العسكري إلى السلطة، كان واضحاً أن هناك رغبة في إنهاء ما يُنظر إليه داخلياً كوصاية فرنسية”، معتبراً أن قرار باماكو بالاقتراب من روسيا لم يأتِ فقط من القيادة العسكرية، بل يجد صداه في جزء واسع من الرأي العام الذي سئم من طول الوجود الفرنسي دون نتائج ملموسة.

ورأى الباحث المالي أن فرنسا اليوم تواجه أزمة شرعية داخل مالي، وهذه الأزمة لا يمكن حلها بالإجراءات العقابية بل بحوار حقيقي يعترف بحق الماليين في اختيار تحالفاتهم”.

وأضاف سواره: “لكن التحدي الأكبر يبقى أمنياً، فالمجموعات الإرهابية توسّع من نشاطها، والاعتماد على شركاء جدد مثل روسيا لم يغيّر المعادلة بشكل جذري.

وتساءل الباحث المالي مستنكراً: “هل ستتمكّن مالي من بناء استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الإرهاب، أم ستظل ساحة لتجاذب القوى الدولية؟”.

وأعلنت فرنسا تعليق تعاونها مع مالي في مجال مكافحة الإرهاب، وطرد دبلوماسيين ماليين اثنين من أراضيها، وذلك على خلفية اعتقال دبلوماسي فرنسي في باماكو منتصف أغسطس الماضي.

وأكد مصدر دبلوماسي فرنسي أن الدبلوماسيين المطرودين، وهما من طاقم السفارة والقنصلية المالية في باريس، أُبلغا بضرورة مغادرة فرنسا قبل يوم السبت، بحسب صحيفة “لوفيجارو” الفرنسية.

في 15 أغسطس/آب، كانت السلطات المالية التي يقودها المجلس العسكري قد أعلنت اعتقال مواطن فرنسي، متهمةً إياه بالعمل لصالح “الاستخبارات الفرنسية”.

وأشارت إلى أن “دولاً أجنبية” تقف خلف محاولة لزعزعة استقرار مؤسسات الدولة، من خلال “مجموعة هامشية من عناصر الجيش والأمن”.

من جانبها، اعتبرت وزارة الخارجية الفرنسية أن هذه الاتهامات “بلا أساس”، وطالبت بـ”الإفراج الفوري” عن موظفها الدبلوماسي، مؤكدة أن مالي “انتهكت بشكل متعمد أحد أهم المبادئ الأساسية في القانون الدولي”، باعتقال موظف دبلوماسي معتمد رسمياً.

وأوضحت المصادر الفرنسية أن تعليق التعاون الأمني مع مالي جاء “ردّاً على عمل عدائي وخطير”، وأن مزيداً من الإجراءات العقابية قد تُتخذ إذا لم يتم الإفراج سريعاً عن الدبلوماسي المعتقل.

في المقابل، ردّت السلطات المالية بإعلان خمسة موظفين في السفارة الفرنسية بباماكو “أشخاصاً غير مرغوب فيهم”، مؤكدة أنهم غادروا البلاد بالفعل.

وتعيش مالي منذ 2012 أزمة أمنية متصاعدة بفعل نشاط الجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش، إضافة إلى صراعات إثنية ومجموعات مسلحة محلية.

وبعد انقلابين عسكريين متتاليين في 2020 و2021، ابتعدت باماكو عن شركائها الغربيين، وعلى رأسهم فرنسا، لتتجه نحو روسيا التي تقدم دعماً سياسياً وعسكرياً عبر قواتها الخاصة وشركات أمنية خاصة.

ورغم تدهور العلاقات، استمر التعاون الاستخباراتي بين باريس وباماكو في ملف مكافحة الإرهاب حتى وقت قريب، لكن التطورات الأخيرة قد تعني قطيعة أعمق بين الطرفين.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=

جزيرة ام اند امز

NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى