تعثر مشروع «سنتينيل» يبقي أمريكا مكشوفة أمام «الخطر النووي»

يواجه سلاح الجو الأمريكي معضلة استراتيجية غير مسبوقة بعد تعثر برنامج صواريخ “سنتينيل” الباليستية العابرة للقارات.
وكان يفترض أن يُشكل برنامج صواريخ “سنتينيل” العمود الفقري الجديد لقوة الردع النووي الأمريكية، لكن وفقا لموقع “بيزنس إنسايدر”، كشف تقرير صادر عن مكتب المحاسبة الحكومي عن احتمال اضطرار سلاح الجو إلى الاستمرار في الاعتماد على صواريخ “مينيتمان 3” الباليستية العابرة للقارات – التي دخلت الخدمة منذ أكثر من خمسة عقود – حتى منتصف القرن الحالي، وذلك بسبب المشاكل الجسيمة التي يعانيها البرنامج.
ووفق الخطة الأصلية كان مقدرا أن تحل منظومة الصواريخ الجديدة “سنتينيل” محل صواريخ “مينيتمان 3” القديمة، لكن التكاليف الباهظة والمشاكل التقنية غير المتوقعة دفعت البنتاغون إلى إعادة النظر بشكل جذري في الجدول الزمني للمشروع العملاق، مما يهدد بتبعات استراتيجية خطيرة على قدرة الردع الأمريكية.
وبحسب التقرير الرسمي، قفزت التكاليف الإجمالية لبرنامج “سنتينيل” من 78 مليار دولار إلى أكثر من 140 مليار دولار، أي ما يقارب الضعف، بينما أجلت عمليات النشر الفعلية للصواريخ الجديدة حتى ثلاثينيات القرن الحالي.
وكان العقد الأساسي قد وُقع مع شركة نورثروب غرومان في عام 2020 بهدف تطوير 450 صاروخا جديدا، لكن المشروع واجه عقبات كبيرة منذ مراحله الأولى.
وأرجع مسؤولو البنتاغون هذه الانتكاسات إلى عدة عوامل أساسية، أهمها وضع جدول زمني غير واقعي منذ البداية، بالإضافة إلى مشاكل تصميم هندسي معقدة لم يتم توقعها خلال المراحل التخطيطية الأولى.
كما ساهم ضعف القاعدة الصناعية الأمريكية المتخصصة في إنتاج الصواريخ الباليستية في تفاقم الأزمة، إلى جانب وجود إشكاليات تنظيمية داخلية داخل هيكل سلاح الجو الأمريكي أعاقت التقدم المنتظر في المشروع.
أزمة بنية تحتية تتجاوز كل التوقعات
وقد كشفت التقارير التفصيلية أن الافتراضات الأولية التي وضعها سلاح الجو الأمريكي بشأن إمكانية إعادة استخدام البنية التحتية الحالية لصواريخ “مينيتمان” كانت متفائلة بشكل مبالغ فيه.
حيث تبين لاحقا الحاجة إلى بناء صوامع إطلاق جديدة بالكامل، وإنشاء مراكز قيادة متطورة، وتطوير أنظمة اتصالات متقدمة تتناسب مع المتطلبات التقنية للصواريخ الجديدة.
وصرح الجنرال أندرو غيبرا، نائب رئيس أركان سلاح الجو لشؤون الردع النووي، أن “أعمال البنية التحتية تشكل العبء الأكبر في زيادة التكاليف، حيث تتطلب استثمارات هائلة في مرافق الإطلاق وأنظمة التحكم والاتصالات المتطورة”.
تحديات جسيمة في إطالة عمر “مينيتمان 3″
يواجه سلاح الجو الأمريكي تحديات تقنية كبيرة في الحفاظ على فعالية الصواريخ القديمة، تشمل بشكل أساسي ندرة القطع الاحتياطية اللازمة للصيانة، وتقادمها تكنولوجيا، بالإضافة إلى غياب خطة واضحة لإجراء اختبارات طيران دورية تضمن كفاءة هذه الصواريخ.
كما يحذر الخبراء من المخاطر المتعلقة بتقادم الأنظمة الإلكترونية والأرضية التي قد تهدد موثوقية هذه الصواريخ على المدى الطويل.
وعلى الرغم من كل التحديات والمشاكل، يؤكد مسؤولو البنتاغون على الضرورة الاستراتيجية لمواصلة العمل في برنامج “سنتينيل”، مع الإعلان عن إدخال تعديلات جوهرية على إدارة المشروع.
وأكد الجنرال غيبرا أن “البرنامج سيستمر رغم الصعوبات، لكننا نحتاج إلى إعادة هيكلة شاملة لمعالجة تضخم التكاليف وتحقيق الأهداف الاستراتيجية”.
يأتي هذا التحدي في وقت تشتد فيه الحاجة الملحة لتحديث الركيزة البرية للثالوث النووي الأمريكي، خاصة في ظل تطور التهديدات الاستراتيجية العالمية المتسارعة وتقدم برامج الصواريخ لدى الخصوم المحتملين، مما يضع واشنطن أمام خيارين صعبين: إما مضاعفة الاستثمار في برنامج متعثر، أو الاعتماد على ترسانة نووية متقادمة لعقود إضافية، في معادلة أمنية بالغة التعقيد ذات تداعيات إقليمية وعالمية.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز