كمبوديا تستدرج أمريكا دون خسارة الصين.. لعبة دقيقة بين عملاقين

في مشهد غير مألوف في جنوب شرق آسيا، تشهد كمبوديا – الدولة الأكثر قربًا من الصين – موجة إعجاب غير مسبوقة بالرئيس دونالد ترامب، وصلت حد ترشيحه رسميًا لنيل جائزة نوبل للسلام.
هذا التحول اللافت يأتي في وقت تعتمد فيه بنوم بنه على الصين باعتبارها أكبر مانح ومقرِض ومستثمر، وتستضيف أكثر من مئة مشروع ضمن مبادرة “الحزام والطريق”، فضلًا عن تصويتها الدائم إلى جانب بكين في المحافل الدولية.
برغم ذلك، يبرز ترامب اليوم باعتباره شخصية تحظى بمكانة استثنائية في المشهد الكمبودي، وفقا لصحيفة واشنطن بوست.
الأمر لم يقتصر على المستوى الرسمي، حيث تجاوزت “حمّى ترامب” الأطر الدبلوماسية المعتادة. ففي مشاهد نادرة، خرج رهبان بوذيون يحظون بمكانة روحية مرموقة في مسيرات حاشدة حاملين صور الرئيس الأمريكي، بينما شبّهه مستشارون حكوميون ورجال أعمال بارزون بـ”الماسة النادرة”.
تحول استراتيجي بدوافع براغماتية
وراء هذه المشاعر يتحرك منطق براغماتي واضح. فكمبوديا، التي توصف علاقاتها مع الصين بأنها “صلبة كالفولاذ”، تسعى لتحقيق أربعة أهداف رئيسية: تخفيف الرسوم الجمركية الأمريكية، وتنويع شركائها الاقتصاديين بعد الاعتماد شبه الكامل على الصين، والتخلص من ضغوط حقوق الإنسان، وبناء توازن استراتيجي يحفظ مصالحها.
وبدأت الثمار تظهر بالفعل، حيث نجحت كمبوديا في خفض الرسوم الجمركية الأمريكية على صادراتها من 49 إلى 19 بالمائة، وهي النسبة نفسها الممنوحة لحلفاء واشنطن التقليديين.
وعلى الصعيد العسكري، تجري مباحثات لإحياء المناورات المشتركة بعد انقطاع دام ثماني سنوات، مع تخطيط لزيارة وزير الدفاع الأمريكي والسماح للسفن الحربية الأمريكية بزيارة قاعدة “ريم” البحرية.
في المقابل، قدمت واشنطن تنازلات مهمة في مجال حقوق الإنسان، حيث أوقفت تمويل برامج المجتمع المدني وأغلقت إذاعة “صوت أمريكا” الناطقة بالخميرية، وهي الخطوة التي أشاد بها رئيس الوزراء السابق هون سين واعتبر أنها “ساهمت في القضاء على الأخبار الكاذبة”.
توازن دقيق بين العملاقين
رغم هذا التقارب الواضح مع واشنطن، تحرص بنوم بنه على الحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع بكين، التي تبقى أكبر مانح ومقرض ومستثمر في كمبوديا، مع أكثر من مئة مشروع ضمن مبادرة “الحزام والطريق”.
وتظهر الصور الفضائية أن قاعدة “ريم” البحرية لا تزال تستخدم حصرياً من قبل السفن الصينية.
ربما تختصر التسميات الرمزية للشوارع حالة التوازن الدقيق التي تحاول كمبوديا تحقيقها.
فبعد إطلاق اسم “جادة شي جين بينغ” على أحد شوارعها العام الماضي، تدرس الحكومة الآن اقتراحاً بإطلاق اسم “طريق دونالد ترامب السريع” على شارع رئيسي آخر، في إشارة واضحة لرغبة كمبوديا في السير بطريق وسطى بين العملاقين.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز