اسعار واسواق

بعد انتهاء الانحسار التضخمي.. أوروبا بين فخ التقشف وفرص الاستثمار الأخضر


في تحول اقتصادي بارز قد يحدد ملامح الأعوام المقبلة في أوروبا، أعلنت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، يوم الخميس، عن انتهاء مرحلة “الانحسار التضخمي” في منطقة اليورو.

ورغم الإبقاء على أسعار الفائدة عند 2%، فإن المؤسسة رفعت توقعاتها لمعدلات التضخم لعامي 2025 و2026، مؤكدة أن معركة استقرار الأسعار دخلت مرحلة جديدة تحمل رسائل طمأنة، لكنها لا تخلو من تحديات.

وأعلنت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، يوم الخميس، نهاية فترة “الانحسار التضخمي” في أوروبا، وذلك خلال مؤتمر صحفي عقدته المؤسسة المالية الأوروبية.

ووفق ما أوضحته لاغارد، فإن معدل التضخم الحالي وصل إلى مستوى “متوقع”، قريب جدا من الهدف المتمثل في 2%، وذلك بعد موجات تضخم قوية شهدتها القارة خلال السنوات الماضية، خاصة مع أزمة الطاقة.

ويقصد بالانحسار التضخمي تباطؤ وتيرة ارتفاع الأسعار؛ أي أن الأسعار لا تنخفض بالضرورة، بل إن معدل زيادتها يتراجع. وبحسب البنك المركزي، فإن هذه المرحلة انتهت الآن، إذ استقرت معدلات التضخم عند مستويات شبه ثابتة.

وأكدت لاغارد خلال المؤتمر أن البنك المركزي الأوروبي في “موقع جيد”، وهي العبارة نفسها التي استُخدمت في يوليو/تموز الماضي، للدلالة على أنه لا توجد حاجة ملحّة لتغيير الاستراتيجية النقدية في الوقت الحالي.

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي، أستاذ الاقتصاد في المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية والمعهد الباريسي للاقتصاد، لـ”العين الإخبارية”، إن إعلان رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد عن نهاية مرحلة “الانحسار التضخمي” يمثل تحولًا دقيقًا في المشهد النقدي الأوروبي، لكنه لا يجب أن يُستغل كذريعة للعودة إلى سياسات تقشفية تقليدية.

وأوضح بيكيتي أن استقرار التضخم بالقرب من الهدف البالغ 2% يمنح صانعي القرار “هامشًا سياسيًا ثمينًا”، يسمح بتخفيف الضغط عن الحكومات، لكنه في الوقت نفسه يفرض مسؤولية توظيف هذه المساحة لإطلاق برامج استثمار عامة واسعة في مجالات المناخ والبنية التحتية والصحة والتعليم.

وأضاف أن الاقتصار على أدوات السياسة النقدية “لن يكون كافيًا لحل أزمات الطلب أو تمويل التحولات الهيكلية الكبرى”.

وأكد بيكيتي أن الحل يكمن في الجمع بين مرونة نقدية وسياسات مالية طموحة، عبر إصلاحات ضريبية تصاعدية تضمن أن يتحمل الأثرياء والمستفيدون الأكبر من العولمة النصيب العادل من الأعباء.

وقال إن فرض ضرائب أوروبية مشتركة على الثروات الكبيرة أو أرباح الشركات العملاقة يمكن أن يوفر التمويل اللازم لصندوق استثماري أوروبي مخصص للاقتصاد الأخضر والعدالة الاجتماعية.

وأضاف أن الاستقرار المالي لا يتحقق بالانحناء أمام تقلبات الأسواق أو إجراءات تقشف مفاجئة، بل عبر خطة واضحة وشفافة توازن بين الاستثمار والنمو المستدام، مع ضمان عدالة التوزيع الضريبي.

وشدد على أن هذا النهج وحده قادر على طمأنة المستثمرين وردع المضاربات المفرطة، بدلًا من إشعال أزمات اجتماعية وسياسية جديدة.

كما أشار بيكيتي إلى أن الشرعية الديمقراطية يجب أن تكون في صلب أي إصلاح اقتصادي، موضحًا أن الحوار الوطني الشامل مع النقابات والمجتمع المدني حول توزيع الأعباء هو الضامن الحقيقي لاستعادة الثقة في السياسات الاقتصادية.

وختم بيكيتي بالتأكيد أن فرنسا وأوروبا أمام خيارين: إما الانزلاق إلى تقشف يفاقم البطالة والاحتقان، أو استغلال نافذة الاستقرار النقدي لتمويل انتقال أخضر واجتماعي يخفف الأعباء المستقبلية ويعزز النمو العادل. وقال: “الاستثمار اليوم ليس ترفًا، بل ضرورة استراتيجية لتجنب أزمات أكبر غدًا”.

في أغسطس/آب، بلغ معدل التضخم السنوي في الاتحاد الأوروبي 2.1%، وهو مستوى ثابت نسبياً، ما يبرر إعلان نهاية فترة الانحسار التضخمي، وتوقع استقرار الأسعار عند هذا المعدل تقريباً، بحسب صحيفة “كابيتال” الفرنسية.

وعلى الرغم من حالة الاضطراب السياسي في فرنسا والتحديات الاقتصادية التي تعصف بألمانيا، فإن البنك المركزي الأوروبي يرى أن سياسته الحالية مناسبة. ويأتي ذلك بعد سلسلة من ثماني تخفيضات متتالية للفائدة الأساسية، لتستقر عند 2%.

ومع ذلك، شددت لاغارد على أن السياسة النقدية ستبقى مرنة وقابلة للتعديل، حيث سيتم تقييم الوضع الاقتصادي “اجتماعًا بعد اجتماع”، دون التزام مسبق بخطوات طويلة الأمد.

كما نشرت المؤسسة توقعات اقتصادية جديدة لمنطقة اليورو، موضحة أن النمو الاقتصادي يُتوقَّع أن يبلغ 1.2% في 2025، ثم يتراجع إلى 1% في 2026، ليعود إلى 1.3% في 2027.

أما التضخم، فرغم استقرار المعدلات الحالية، فقد رُفعت التوقعات للأعوام المقبلة، ما يعني أن الأسعار قد تبقى ضاغطة على المدى المتوسط.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=

جزيرة ام اند امز

NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى