مقاهي كورسيكا تتمرد على الدفع المسبق.. القهوة تشرب أولا وتحاسب لاحقا

بين ثقافة الاسترخاء وهاجس “الهروب من الفاتورة”، لماذا يرفض مقهى كورسيكا الانضمام إلى موجة الدفع المسبق التي تجتاح المقاهي الفرنسية؟
في كورسيكا، يبدو أن فكرة الدفع المسبق للمشروبات في المقاهي لا تلقى القبول الذي تحظى به في بقية مناطق فرنسا. فبينما تتوسع هذه الممارسة في الحانات والمقاهي على “القارة” (البرّ الفرنسي)، لا تزال كورسيكا متمسكة بعلاقتها التقليدية القائمة على الثقة بين الزبون وصاحب المقهى، بحسب صحيفة “كورسيكا ماتان” الفرنسية.
في مدينة مورياني-بلاج، الواقعة في بلدية سان نيكولاو شمال الجزيرة، يؤكد بعض أصحاب المقاهي والمطاعم أنهم يفضلون الحفاظ على روح الضيافة والطمأنينة التي تميز الجزيرة، بدلاً من إلزام الزبون بالدفع قبل تذوق قهوته.
اختلاف في الثقافة
في فرنسا القارية، أصبح الدفع المسبق للمشروبات ممارسة متنامية في الحانات والمقاهي. يقوم الزبون بالجلوس، يطلب مشروبه، ثم يُطلب منه الدفع قبل أن يتذوقه.
بالنسبة للمؤسسات، هذا الإجراء يوفر الوقت ويُعتبر وسيلة فعّالة لتفادي “الهروب من الدفع”.
المطاعم الكبيرة تذهب أبعد من ذلك، إذ تُلزم زبائنها بتقديم رقم البطاقة البنكية عند الحجز أو الدفع المسبق للوجبات.
أما في كورسيكا، فالمشهد مختلف. فدفع ثمن القهوة قبل شربها يُعتبر منافياً لروح الاسترخاء التي تميز لقاءات المقاهي. إنها لحظة هدوء وراحة، ينتهي معها الدفع كخطوة أخيرة طبيعية، لا كشرط مسبق.
صوت أصحاب المقاهي
وقال أليكس نيكوليني، مدير مطعم ومقهى Bor’di Mare في مورياني-بلاج: “هذا الأمر غير وارد. نحن نعمل مع زبائننا على أساس الثقة. ثم إن حالات الهروب من الدفع نادرة جدًا، وبالتالي لا نرى سببًا لاعتماد مثل هذا الإجراء.”
وتصريح نيكوليني يلخص الفارق الجوهري: كورسيكا ليست باريس، ولا مارسيليا أو ليون. العلاقة بين الزبون وصاحب المقهى هنا شخصية ودافئة، تقوم على معرفة متبادلة أكثر منها على إجراءات وقائية.
بين الراحة والرقابة
إذا كان الدفع المسبق يعكس في فرنسا القارية تسارع الحياة الحضرية، حيث الوقت ضيق والمخاطر المالية أكبر، فإن كورسيكا تفضل التمسك بنموذجها الاجتماعي القائم على “الوجه البشوش والثقة”.
أما المؤيدون للدفع المسبق فيرون فيه وسيلة عملية لتفادي المشاكل وضمان سير العمل بسلاسة.
أما في كورسيكا، فالأولوية هي الحفاظ على طابع الألفة والدفء الاجتماعي، الذي يجعل المقهى أكثر من مجرد مكان لشرب القهوة.
وبينما تسعى المقاهي في البرّ الفرنسي إلى تأمين نفسها بالدفع المسبق، تظل كورسيكا متمسكة بفكرة أن “الزبون ضيف قبل أن يكون مجرد مستهلك”. هذه المفارقة تعكس اختلافًا ثقافيًا أعمق: بين عقلية المدن التي تطغى عليها البراغماتية، وجزيرة تريد أن تبقى وفية لتقاليدها في الضيافة والثقة.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز