اسعار واسواق

عرش فرنسا المالي يهتز.. الأسواق تعامل ديون باريس مثل روما


على قدم المساواة مع الديون الإيطالية من حيث المخاطر. وبينما يرى بعض المحللين أن ذلك يعكس تدهور المالية العامة في باريس، يحذر آخرون من أن فرنسا قد تدفع ثمناً سياسياً واجتماعياً إذا لم تُعد رسم أولوياتها الاقتصادية.

من فارق مريح إلى تقارب خطير

شهدت الأسواق المالية هذا الأسبوع تحولاً بالغ الأهمية: الفارق بين معدلات الفائدة على السندات الفرنسية (OAT) ونظيرتها الإيطالية (BTP) تراجع إلى أقل من 0.1 نقطة مئوية.

وعملياً، هذا يعني أن فرنسا قد تضطر قريباً إلى دفع نفس تكلفة الاقتراض التي تتحملها إيطاليا، رغم أن روما لطالما كانت مصنّفة أكثر هشاشة في عيون المستثمرين.

فبينما بلغ العائد على السندات الفرنسية لأجل 10 سنوات نحو 3.45%، وصل العائد على السندات الإيطالية إلى 3.55% فقط، أي بفارق ضئيل لا يتجاوز “سُمك القلم”، على حد تعبير خبراء السوق.

من جانبه، قال الدكتور باتريك أرتوس كبير الاقتصاديين في مركز البحوث الاقتصادية “Natixis Research” لـ”العين الإخبارية” إن ما يحدث اليوم ليس مفاجئاً تماماً، بل نتيجة تراكمات طويلة”

وأوضح أرتوس أن “المالية العامة الفرنسية تعاني منذ سنوات من ضعف بنيوي يتمثل في عجز مزمن يقارب 5% من الناتج المحلي، إضافة إلى دين عام يتجاوز 110%. هذه الأرقام تجعل من فرنسا أقل تمايزاً عن إيطاليا مما نحب أن نعتقد”.

وأضاف أن المستثمرين أصبحوا أقل ميلاً إلى اعتبار فرنسا “ملاذاً آمناً” داخل منطقة اليورو، خاصة بعد سلسلة من التوترات السياسية والاجتماعية (أزمة “السترات الصفراء”، احتجاجات التقاعد، الاضطرابات المؤسسية).

وحذر أرتوس من استمرار الحكومة الفرنسية في تأجيل الإصلاحات الهيكلية، فقد نشهد ارتفاعاً أكبر في تكاليف الاقتراض، موضحا أن تساوي الفوائد مع إيطاليا قد يتحول إلى تجاوز إيطاليا لفرنسا، وهو سيناريو كان قبل سنوات غير قابل للتصور.

من جانبه، قال الأستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) المتخصص في الاقتصاد الكلي، أوليفييه بلانشييه لـ”العين الإخبارية” إن القضية ليست محاسبية بحتة، قائلا: “ما يثير قلق المستثمرين ليس فقط حجم الدين الفرنسي، بل غياب رؤية واضحة للنمو. فاقتصاد فرنسا يبدو عالقاً بين ضغوط الإنفاق الاجتماعي المرتفع من جهة، وعجز القدرة التنافسية من جهة أخرى”.

واعتبر الخبير الاقتصادي الفرنسي أن “إيطاليا على الأقل تعطي إشارات إصلاح مالي تدريجي، في حين فرنسا تكتفي بوعود متكررة دون مسار موثوق”، مشيراً إلى أن “الأسواق اليوم أصبحت أكثر حساسية للمخاطر السياسية في أوروبا، وفرنسا لم تعد استثناء”.

ورأى بلانشييه إلى أن الحل يكمن في إعادة توجيه السياسة الاقتصادية الفرنسية نحو تحفيز الاستثمار والإنتاجية، لا الاكتفاء بالإنفاق الاجتماعي، كما أن فرنسا بحاجة إلى “صدمة ثقة” لإقناع المستثمرين بأنها قادرة على السيطرة على دينها دون التضحية بنموها.

وما بين تحذيرات أرتوس من خطر التدهور المالي، وتنبيه بلانشار إلى غياب رؤية للنمو، تتفق التحليلات على أن فرنسا دخلت مرحلة جديدة في تعامل الأسواق معها. وإذا لم تتحرك باريس سريعاً لإصلاح الخلل، فإن ديونها قد لا تُعامل فقط مثل إيطاليا، بل ربما تصبح أكثر هشاشة في عيون المستثمرين الدوليين.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى