الصين تعيد صياغة استراتيجيتها العسكرية من قلب حرب أوكرانيا

مع احتدام المواجهات بين روسيا وأوكرانيا، تنظر الصين للحرب على أنها ساحة اختبار لأي مواجهة محتملة مع الولايات المتحدة.
أيًا كانت نتيجة حرب أوكرانيا، فإن النقاشات بشأنها داخل واشنطن غالبًا ما تغفل بعدًا استراتيجيًا حيويًا للحرب وهو دورها كساحة اختبار بالنسبة للصين التي تعد أبرز منافس عالمي للولايات المتحدة والتي ترى في المعارك فرصة لا تقدر بثمن لمراقبة وتعلم الدروس من حرب محتدمة تُدار بأسلحة ستسيطر على حروب المستقبل.
وباعتبارها الداعم الاقتصادي والصناعي الأساسي لروسيا، حظيت الصين بموقع فريد يمكنها من تقييم أداء مكونات الأنظمة العسكرية التي توفرها بأعداد ضخمة في القتال، إضافة إلى جمع معلومات استخباراتية عن فعالية الأسلحة الأوكرانية والغربية، وصقل المفاهيم التي ستوجه تطوير أسلحتها وتدريب جيشها وهياكلها التنظيمية وهي الجهود التي تخدم هدف تجهيز الجيش الصيني لمواجهة محتملة مع الولايات المتحدة.
وفي ضوء الحقائق الميدانية الواضحة فإن المحركات الصينية هي التي تشغل المسيرات التي تدمر المواقع الأوكرانية، كما أن الصواريخ الروسية توجهها مكونات إلكترونية صينية في حين تعيد أدوات الماكينات الصينية بناء الآلة الحربية الروسية، وفقا لما ذكره موقع “ناشيونال إنترست”، وبالتالي “أصبح دور الصين في هذا الصراع كبيرًا للغاية بحيث لا يمكن للولايات المتحدة تجاهله”.
وأوضح أن”دور بكين تجاوز مجرد الدعم الاقتصادي فأصبحت العمود الفقري اللوجستي للمجمع الصناعي العسكري الروسي وهو ما يتيح للصين اختبار قدرتها الصناعية على دعم شريك في حرب طويلة كما يتيح لها فهم متطلبات دعم قواتها في القتال”.
والشهر الماضي، كشف وزير الخارجية الصيني وانغ يي بوضوح عن أولوية بلاده حيث قال لدبلوماسي أوروبي رفيع إن بكين لا يمكنها قبول هزيمة روسيا، لأنها ستسمح للولايات المتحدة بتحويل كامل تركيزها نحو الصين.
منذ عام 2023، جاءت نحو 90% من واردات روسيا من المكونات الإلكترونية الدقيقة الأساسية للصواريخ الحديثة والدبابات والطائرات من الصين.
كما شكّلت الماكينات الصينية حوالي 70% من واردات روسيا من أدوات الماكينات في الربع الأخير من 2023، بقيمة تقارب 900 مليون دولار، وذلك لتعويض المعدات الألمانية واليابانية عالية الجودة التي لم يعد بإمكان موسكو استيرادها.
وأصبحت الصين أيضا المورد الرئيسي لمادة النيتروسليلوز، وهي المكوّن الأساسي لقذائف المدفعية، حيث قفزت صادراتها إلى أكثر من 1300 طن في 2023، وهو ما يكفي لإنتاج مئات الآلاف من القذائف.
وتشير التقديرات إلى أن 80% من المكونات الإلكترونية في المسيرات الروسية المسيرة مصدرها الصين وهو ما جعل بكين شريكًا خفيًا في الحملة الجوية الروسية كما سمح لموسكو بزيادة هائلة في الإنتاج، حيث تستهدف تصنيع نحو مليوني مسيرة هجومية في 2025.
ويتيح هذا التكامل العميق للصين تقييم أداء تقنياتها ضد قدرات التشويش والدفاع الجوي المتقدمة الأوكرانية والغربية.
وفي مايو/أيار 2025، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي “طائرات مافيك الصينية متاحة للروس لكنها مغلقة أمام الأوكرانيين” في حين أكدت مصادر أوروبية أن بكين لم توقف فقط بيع مسيرات مافيك لكييف، بل قيّدت أيضا تصدير المكونات الرئيسية، لكنها زادت شحناتها من هذه المعدات إلى روسيا.
وبالنسبة لجيش التحرير الشعبي الصيني، الذي لم يخض حربًا كبرى منذ أكثر من 4 عقود، فإن حرب أوكرانيا توفر مصدرًا لا مثيل له للمعلومات حول الحرب الحديثة من استخدام المسيرات إلى الحرب الإلكترونية وذلك دون تعريض أي جندي صيني للخطر.
وتشمل الدروس المستفادة دراسة أداء أنظمة أمريكية مثل الدفاع الجوي “باتريوت” والمدفعية الصاروخية “هيمارس”، وتحليل ابتكارات أوكرانية مثل “عملية شبكة العنكبوت” التي استخدمت أسراب من المسيرات منخفضة التكلفة لإلحاق أضرار أو تدمير طائرات استراتيجية روسية بمليارات الدولارات في مواقع متباعدة.
كما “تتيح الحرب للصين تقييم فعالية التشويش الغربي ضد معداتها التي تقدمها لروسيا، وتشير الأدلة إلى أن مجموعات قرصنة مدعومة من الدولة الصينية اخترقت مؤسسات دفاعية روسية للحصول على بيانات ميدانية لم تكن موسكو ترغب في مشاركتها”، وفق “ناشيونال إنترست”.
بالإضافة إلى ذلك، تراقب الصين تكتيكات جديدة، بما في ذلك الاستخدام المكثف لأسراب المسيرات والتكتيكات البحرية غير المتكافئة، وترى فيها دروسًا محتملة لكيفية مقاومة تايوان لهجوم محتمل.
وبغض النظر عن كيفية تطور سياسة الولايات المتحدة تجاه روسيا، يجب أن تعترف واشنطن بدور الصين بحسب “ناشيونال إنترست” الذي اعتبر أن التفاهم مع موسكو لن يكون فعالًا إذا استمرت بكين في تسليح الجيش الروسي وتحديثه تقنيًا.
وأوضح الموقع أن التحدي الحقيقي لواشنطن يكمن في “دورة التعلم” فبينما تستنزف أمريكا مواردها ضد خصم ثانوي، يكتسب خصمها الرئيسي خبرة قتالية ثمينة بالوكالة، ويتعلم كيف يواجه أسلحتها ويعمل في بيئة إلكترونية كثيفة ويحافظ على وتيرة القتال دون المخاطرة بجنوده.
وفي حين أن النظام الصيني الموجه من الدولة مصمم لتعلم هذه الدروس بسرعة وتنفيذها على مستوى المجمع الصناعي العسكري بالكامل، لا يزال النظام الأمريكي مثقلًا بعمليات الشراء البطيئة وذلك على الرغم من الابتكارات القادمة من القطاع الخاص.
ويتطلب التعامل مع هذه التحديات إعادة توجيه الفكر الاستراتيجي، والنظر إلى حرب أوكرانيا ليس كأزمة أوروبية فقط، بل كساحة اختبار لحرب المستقبل فالتحدي الحقيقي الآن ليس مجرد احتواء روسيا، بل التفوق على خصم يتعلم ويبتكر قبل اندلاع الحرب المقبلة.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز