قمة ألاسكا.. خبراء فرنسيون يرصدون لـ«العين الإخبارية» التخوفات من غياب أوكرانيا

الترقب يسود أوروبا تحسبا لقمة الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين يوم الجمعة المقبل.
القمة ستناقش بشكل رئيسي الحرب في أوكرانيا، رغم غياب أي ممثلين لكييف عنها، وهو ما أثار رفضا في أوروبا.
خبراء سياسيون فرنسيون متخصصون في الشأن الروسي – الأوكراني أن اعتبروا الموقف الفرنسي الرافض للقاء المرتقب بين الرئيسين ترامب وبوتين دون مشاركة أوكرانيا يعكس مزيجاً من الحسابات الأمنية والاستراتيجية والرمزية.
فبالنسبة لصانعي القرار في الإليزيه، فإن أي تسوية تتم خارج الإطار الأوروبي ليست مجرد إقصاء دبلوماسي، بل تهديد مباشر لوحدة الموقف الغربي ولأمن القارة بأسرها.
ويشير هؤلاء الخبراء إلى أن فرنسا ترى في تغييب كييف عن أي حوار سلام مساراً محفوفاً بالمخاطر، لأنه يمنح موسكو فرصة لفرض أمر واقع سياسي وعسكري، ويتيح لواشنطن، في حال سعت لعقد صفقة سريعة، تجاوز المخاوف الأمنية الأوروبية.
ومن منظور باريس، فإن الحفاظ على التوازن بين الأطراف المعنية يظل شرطاً أساسياً لأي اتفاق مستدام، وأي إخلال بهذا التوازن قد يعيد إنتاج الصراع بدلاً من إنهائه.
وأعرب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن رفضهما الشديد لعقد اجتماع بين الولايات المتحدة وروسيا من دون مشاركة أوكرانيا.
من جانبه، قال الدكتور أرنو دبوا، الباحث أول في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية والمتخصص في الأمن الأوروبي والسياسة الروسية لـ”العين الإخبارية” إن موقف ماكرون يتجاوز البعد التضامني مع أوكرانيا ليعكس وعياً استراتيجياً بأن أي تسوية تُبرم خارج الإطار الأوروبي تمثل تهديداً مباشراً لوحدة الموقف الغربي.
وأضاف أنه “إذا جرى لقاء بوتين-ترامب في ألاسكا دون حضور أوكرانيا أو الأطراف الأوروبية، فسنكون أمام سابقة خطيرة تعيدنا إلى منطق الصفقات الثنائية الكبرى التي ميزت الحرب الباردة، حيث كانت القضايا الأمنية الأوروبية تُحسم بين واشنطن وموسكو دون الرجوع إلى الأوروبيين”.
وأكد دبوا أن باريس تدرك أن موسكو ستسعى إلى استغلال أي انقسام عبر تقديم تنازلات شكلية لترامب مقابل مكاسب استراتيجية حقيقية، مثل تجميد النزاع مع الاحتفاظ بالأراضي التي سيطرت عليها، مشيرا إلى أن إبعاد أوكرانيا عن المفاوضات سيؤدي إلى فقدان الشرعية السياسية لأي اتفاق، ويفتح الباب أمام استمرار الحرب بشكل غير مباشر.
وحذر دبوا من أن “غياب الأوروبيين عن طاولة التفاوض لا يضر فقط بمصالح كييف، بل يضعف قدرة الاتحاد الأوروبي على لعب دور الموازن الإستراتيجي في القارة، ويترك أمنه رهينة لقرارات أمريكية قد تتغير بتغير الإدارة في واشنطن”.
من جهتها، قالت كاترين لوران، أستاذة العلوم السياسية في جامعة السوربون والباحثة في مركز الدراسات حول روسيا المعاصرة (CERCEC) لـ”العين الإخبارية” إن الموقف الفرنسي ينبع أيضاً من قراءة واقعية لديناميكيات القوة داخل المشهد الدولي الحالي.
وأشارت لوران إلى أن “فرنسا ترى أن أي اتفاق سلام حقيقي في أوكرانيا يجب أن يكون متعدد الأطراف، لا نتيجة لمساومات ثنائية قد تتجاهل جذور النزاع”.
وأضافت الباحثة السياسية الفرنسية أن بوتين يسعى من خلال القمة إلى تحقيق 3 أهداف: شرعنة وضعه دولياً بعد عزلة نسبية، تثبيت المكاسب الميدانية التي حققتها روسيا، وإظهار واشنطن بمظهر الشريك القابل للتفاهم بعيداً عن ضغوط أوروبا.
وتابعت قائلة إنه “يمكن أن ينظر ترامب إلى القمة كفرصة لتحقيق إنجاز دبلوماسي سريع يقدمه لجمهوره الانتخابي، حتى لو جاء ذلك على حساب أوكرانيا”.
واعتبرت لوران أن باريس تتحرك انطلاقاً من قناعة أن “تجاوز كييف في أي تسوية لن يؤدي إلى إنهاء الحرب، بل إلى إعادة إنتاجها بشكل أكثر خطورة، لأن أي سلام غير متوازن سيخلق فراغاً أمنياً وسياسياً في قلب أوروبا الشرقية”.
وقالت إن “الموقف الفرنسي هنا ليس مجرد تضامن، بل دفاع عن مبدأ أساسي في الدبلوماسية الأوروبية الحديثة: لا قرارات أمنية كبرى على القارة تُتخذ دون مشاركة جميع الأطراف المعنية مباشرة بالنزاع”.
الحدث الأبرز
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، رفض أول أمس السبت، بشكل قاطع أي تنازل عن أراضٍ لروسيا مقابل تحقيق السلام، وذلك قبل القمة المرتقبة بين ترامب وبوتين والتي تثير مخاوف كييف من إبرام اتفاق على حسابها.
ومن المقرر أن يلتقي الرئيسان الروسي والأمريكي في ولاية ألاسكا شمال الولايات المتحدة، وهي لا تعترف بالمحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت مذكرة توقيف بحق بوتين على خلفية الحرب في أوكرانيا.
وقال زيلينسكي إن: “أي قرار يُتخذ ضدنا، وأي قرار يُتخذ من دون أوكرانيا، سيكون قراراً ضد السلام”، مؤكداً أن الأوكرانيين “لن يتخلوا عن أرضهم”.
وتسيطر القوات الروسية حالياً على نحو 20% من الأراضي الأوكرانية.
موقف ماكرون
من جانبه، أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن دعمه لزيلينسكي بعد محادثة بينهما، وقال إن “الأوروبيين سيكونون جزءاً أساسياً من الحل لأنه يتعلق بأمنهم”.
وأوضح أنه تبادل الحديث أول أمس السبت مع كل من المستشار الألماني فريدريش ميرتس ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر.
التحرك الأوروبي الموازي
وبالتوازي نظم الأوروبيون لقاءً مضاداً؛ إذ أعلن مكتب رئيس الوزراء البريطاني أن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي ونائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس عقدا يوم السبت الماضي اجتماعاً لمستشاري الأمن القومي الأوروبيين والأمريكيين.
واعتُبر هذا الاجتماع “فرصة حاسمة لمناقشة التقدم المطلوب لتحقيق سلام عادل ودائم” في أوكرانيا.
وكان رئيس الوزراء البريطاني قد تحدث هاتفياً في وقت سابق مع زيلينسكي، حيث رحب الجانبان بـ”رغبة الرئيس ترامب في إنهاء هذه الحرب الوحشية”، واتفقا على ضرورة “مواصلة الضغط على بوتين لوقف الحرب”، بحسب البيان.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز