اسعار واسواق

الأسطورة «نصر 1300».. السيارة الحكومية التي احتضنت أحلام المصريين (حوار)


في ستينيات القرن الماضي، شهدت مصر ميلاد حلم وطني كبير في مجال الصناعة، تمثل في أول سيارة ركوب تحمل شعار “صنع في مصر”.

لم تكن “نصر 1300” مجرد وسيلة نقل، بل رمزا لمرحلة سعت فيها الدولة إلى تحقيق الاستقلال الصناعي، عبر إنشاء شركة مصرية خالصة تنافس في سوق السيارات وتخدم السوق المحلي وتقلل من الاعتماد على الاستيراد. 

هذا الحلم، الذي بدأ بخطوط إنتاج بسيطة وعدد محدود من العمال، تحول مع الوقت إلى كيان ضخم لعب دورا محوريا في الصناعة المصرية.

البداية.. مشروع وطني بشراكة أجنبية

في تصريحات خاصة لـ”العين الإخبارية”، أوضح اللواء حسين مصطفى، المدير التنفيذي السابق لرابطة مصنعي السيارات في مصر، أن شركة النصر للسيارات تأسست عام 1959، وبدأت إنتاجها الفعلي عام 1960، بعدما أسند المشروع في البداية لشركة “دويتس” الألمانية، ثم انتقلت الشراكة إلى “نسيو” الألمانية، قبل أن تستقر لفترة طويلة مع شركة “فيات” الإيطالية، ما مهد الطريق أمام تصنيع مجموعة واسعة من سيارات الركوب محليا.

مصانع متكاملة وكوادر مؤهلة

وأشار مصطفى إلى أن الشركة أقيمت على مساحة شاسعة، وضمت عدة مصانع متكاملة؛ من أبرزها مصنع سيارات الركوب الذي كان ينتج 10 سيارات في الساعة، إلى جانب مصنع المكابس وأفران التسخين، ومصنع المجبوسات المتخصص في تشكيل ولحام أجزاء اللواري والأوتوبيسات والجرارات.

كما كانت تضم أيضا مصنعا للأجزاء الدقيقة، لتصنيع التروس وصناديق التروس وأعمدة الكردان، فضلا عن مصنع هندسة العدد، الذي تميز بقدرته على إنتاج استنباطات وشابلونات لصناعة هياكل السيارات.

وأوضح مصطفى أن نشاط الشركة تطور لاحقا ليشمل تصنيع جرارات زراعية مستوردة من يوغوسلافيا، ومقطورات ألمانية، ثم توسعت في مجال الأوتوبيسات واللواري، بالتوازي مع جهود الدولة لإيفاد الفنيين والمهندسين للتدريب في مراكز متخصصة بألمانيا، مما أسهم في رفع كفاءة العمالة المحلية إلى مستويات متقدمة.

توسع في الإنتاج وتنوع في الطرازات

وبينما بدأت الشركة بعدد محدود من العاملين لا يتجاوز 290 فردا، فإن هذا الرقم شهد تضاعفا سريعا حتى بلغ أكثر من 12 ألف عامل، إضافة إلى الآلاف ممن عملوا في الصناعات المغذية المرتبطة بمكونات الإنتاج. 

ووفقا للمدير التنفيذي السابق لرابطة مصنعي السيارات في مصر، كانت مصانع النصر قادرة على إنتاج عشر سيارات في الساعة داخل خط التجميع، إلى جانب امتلاكها مصنعًا للمكابس، وأقساما لتشكيل ولحام أجزاء الأوتوبيسات والجرارات، وأفران تسخين، بالإضافة إلى مصنع متكامل لصناعة التروس وصناديق السرعة وأعمدة الكردان، فضلا عن وحدة هندسية متخصصة في تصنيع العدد والاستنباطات.

ومن وجهة نظره، تعد سيارات “نصر فيات” من أنجح الطرازات التي أنتجتها الشركة، لا سيما تلك التي جاءت بالتعاون مع شركة “يوجو” اليوغوسلافية، مثل سيارة “128” التي تربعت على عرش السوق المصري لأكثر من عقد ونصف، بداية من عام 1969 وحتى 1983. 

كما شهدت الشركة إنتاج طرازات شهيرة منها “النصر الشاهين 131″، وسبقها طراز “نصر 1300” الذي كان أحد أعمدة الإنتاج في سنواته الأولى، إلى جانب طرازات أخرى مثل “1100”، و”1600″، و”2300″، و”2600″، ثم البولونيز والدوجن والشاهين، وانتهاء بسيارة “فلوريدا” اليوغوسلافية، والتي كانت آخر ما خرج من خطوط إنتاج سيارات الركوب قبل توقف الشركة في 2009.

أرقام الإنتاج والتراجع الكبير

وفقًا لتقديراته، بلغ إجمالي إنتاج الشركة حوالي 385 ألف سيارة ركوب، و37 ألف شاحنة، و16 ألف أوتوبيس، ما يعكس حجم الطاقة الإنتاجية التي كانت تمتلكها الشركة قبل انهيارها.

لكن رغم هذا الكيان الضخم، توقف النشاط بالكامل عام 2009، بعد أن فصل نصفها ليُخصص لصناعة الأوتوبيسات واللواري تحت اسم “الشركة الهندسية لصناعة السيارات”، بينما تقلصت المساحة المتبقية لـ”النصر” بشكل كبير.

أسباب الانهيار وتراكم الخسائر

أما عن أسباب التوقف، فيرجعها إلى تراجع قدرة الشركة على مواكبة الموديلات الحديثة التي اجتاحت السوق المصري، مثل السيارات اليابانية والفرنسية، في ظل غياب استثمار حقيقي في التطوير، إلى جانب عوائق اقتصادية حادة، أبرزها صعوبة توفير العملة الصعبة لاستيراد المكونات.

فضلا عن نظام التسعير الجبري الذي كان مفروضا في فترة السبعينيات والثمانينيات، حيث كانت تكلفة إنتاج بعض السيارات مثل “النصر 133” تصل إلى 5 آلاف جنيه، بينما يُفرض على الشركة بيعها بثلاثة آلاف فقط، مما أدى إلى تراكم الديون التي تجاوزت مليارَي جنيه.

وبحسب ما أفاد مصطفى، فإن الشركة كانت تضم حينها ما يقرب من 12 ألف عامل، لكن مع التدهور الاقتصادي تقلص العدد تدريجيًا حتى لم يتبقّ سوى 300 عامل فقط مع بداية خطة الإحياء، بينما تم فصل قطاع الأوتوبيسات واللواري وتحويله إلى كيان مستقل تحت مسمى “الشركة الهندسية لصناعة السيارات”، ليقتصر نشاط النصر لاحقًا على نصف المساحة فقط.

إحياء متأخر.. ولكن واعد

رغم كل ما سبق، فإن السنوات الأخيرة شهدت بداية جديدة للشركة، حيث عادت للعمل منذ نحو عام ونصف، وتمكنت من تصنيع أوتوبيسات جديدة لهيئات النقل العام في القاهرة والإسكندرية، كما دخلت في شراكة مع القطاع الخاص من خلال شركة “إن إس” بالتعاون مع شركة “الصافي”، وبدأت استيراد سيارات كهربائية صينية من طراز “دونغ فينغ” لطرحها في السوق المصري بأسعار متفاوتة.

لكن ما زال الرهان الأكبر – وفقا لرؤيته – معلقا على خروج أول سيارة كهربائية مصرية من إنتاج الشركة، والمتوقع أن ترى النور قبل نهاية هذا العام، إلى جانب وجود نوايا لتوسيع الإنتاج ليشمل سيارات ركوب تقليدية وكهربائية، وإحياء اتفاقيات سابقة لتصنيع البطاريات والمكونات الكهربائية محليًا، والتي لم تُنفّذ بعد على أرض الواقع.

في ختام تصريحاته، يتوقع المدير التنفيذي السابق لرابطة مصنعي السيارات في مصر، أن تحقق النصر مستقبلًا إنتاج سيارات كهربائية صديقة للبيئة بتكلفة معقولة، وأن تتوسع في خطوط الإنتاج لتشمل سيارات ملاكي وباصات كهربائية، مع ضرورة إنشاء مصانع مغذية داخل الكيان نفسه، لضمان تحقيق تصنيع اقتصادي فعلي، وتحقيق فائض يسمح بالتصدير، وإعادة إحياء اسم “نصر” كرمز للصناعة المصرية الحديثة.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=

جزيرة ام اند امز

NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى