اتجاهات مستقبلية ‹ جريدة الوطن

اتجاهات مستقبلية
الاستجابة لتنامي خطر تجارة وتعاطي المخدرات
تشير أحدث تقارير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) إلى تصاعد غير مسبوق في تجارة المخدرات على مستوى العالم. ففي عام 2023، قفز الإنتاج العالمي غير المشروع من الكوكايين إلى أكثر من 3,708 أطنان، بزيادة تقارب 33 % مقارنة بالعام السابق، في حين بلغ عدد مستخدمي الكوكايين نحو 25 مليون شخص عالميًّا، مقارنة بـ10 ملايين شخص قبل عشر سنوات.
في حين سجّلت عمليات ضبط المنشطات غير المشروعة من نوع الأمفيتامين (ATS) ومنها الميثامفيتامين، مستويات قياسية، حيث شكلت ما يقرب من 50 % من إجمالي مصادرات العقاقير الصناعية في ذلك العام. ففي جنوب‑شرق آسيا، سجّلت المصادرات من الميثامفيتامين لعام 2024 ارتفاعًا بنسبة 24 %، لتصل إلى حوالي 236 طنًّا، إذ أصبحت منطقة “المثلث الذهبي” (ميانمار – لاوس – تايلاند) مركز إنتاج رئيسي ينقل الكميات إلى أسواق مثل أستراليا عبر شبكات بحرية وجوية معقدة. وعليه تعكس هذه المعطيات تحوّلًا نوعيًّا في سوق المخدرات العالمي من محور الكوكايين إلى انتشار المنشطات الصناعية ذات التكلفة الأقل والاكتشاف الأصعب.
وقد جاءت دولة الإمارات العربية المتحدة كطرف فاعل في التصدّي لهذه الديناميكية الدولية المتسارعة والحديثة والمعقدة، عندما اكتشفت السلطات الإماراتية طرقًا غير تقليدية للتهريب، فبناءً على طلب دولة الإمارات أصدر الإنتربول إشعارًا “أرجوانيًّا ” (Purple Notice) عام 2017 موجه لعدد 190 دولة، يشرح فيه الأسلوب الجديد في التهريب وطرق اكتشافه من قبل السلطات الإماراتية، والذي يتمّ عبر أسلوب ابتلاع المهربين للواقيات المطاطية المحشوة بالكوكايين السائل، وهو أسلوب يصعب كشفه باستخدام الأشعة السينية أو التصوير الطبقي التقليدي.
مَثّلَ إشعار الإنتربول هذا “بناءً على طلب دولة الإمارات” تحوّلًا استباقيًّا، ورسّخ التزام دولة الإمارات بالاشتراك الفعال في تبادل المعلومات الاستخباراتية على الصعيد الدولي.
وهو ما انعكس في النهج الإماراتي باعتماد حكومة دولة الإمارات إطارًا استراتيجيًّا يشمل قانونًا اتحاديًّا رقم 30 لسنة 2021 بشأن مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، ناهيك عن تنظيم وتمويل برامج توعية وعلاج وإعادة تأهيل، ضمن سياسة “صفر تسامح” تجاه جرائم المخدرات، وإطلاق وزارة الداخلية الإماراتية الإصدار الأول من دليل الوالدين للوقاية من تعاطي المخدرات في عام 2021، والبرنامج الوطني للوقاية من المخدرات “سراج”.
لتتكلّل جهود دولة الإمارات في 3 أغسطس 2025، بإصدار صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله” مرسومًا اتحاديًّا بإنشاء الجهاز الوطني لمكافحة المخدرات، وتعيين الشيخ زايد بن حمد بن حمدان آل نهيان رئيسًا له، وذلك في إطار تعزيز المنظومة الوطنية لمكافحة المخدرات، وتوحيد الجهود الاتحادية والمحلية في التصدّي لهذه الآفة بما يعزز أمن المجتمع ويحمي أفراده.
وتشمل اختصاصات الجهاز الجديد؛ إعداد وتطوير السياسات والاستراتيجيات والتشريعات المتعلقة بشؤون المخدرات، وبأنماط الجرائم المتعلقة بها، وسبل مكافحتها، وكذا مكافحة الاتجار بالمخدرات وتعقب وضبط شبكات تهريب وترويج المخدرات؛ وذلك بالتنسيق مع السلطات المختصة، بالإضافة لمتابعة علاج وتأهيل المدمنين، وإعداد الدراسات والبحوث المتعلقة بالإدمان ومكافحة المخدرات ونشرها، وأيضا اقتراح وإعداد ضوابط وشروط وإجراءات تداول السلائف الكيميائية التي تُستخدم في غير الأغراض الطبية، وكذا التنسيق مع الجهات المعنية لغايات الرقابة على المنشآت الطبية والصيدلانية، لمنع بيع أو صرف الأدوية أو المنتجات الطبية التي تحتوي على مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية بصورة غير مشروعة، وليس أخيرًا؛ التنسيق مع الدول الأخرى والمنظمات الدولية لتبادل المعلومات والخبرات حول عمليات تهريب المخدرات وشبكات تهريبها والاتجار بها.
في النهاية؛ يمكن القول: إن إنشاء الجهاز الوطني لمكافحة المخدرات إنما يمثّل خطوة استراتيجية متقدّمة في مواجهة أزمة دولية، فقد انتقلت الدولة من مستوى المشاركة المعرفية والإعلامية إلى بناء مؤسّسة ذات أدوات تشريعية وتنفيذية وتحليلية، لتتحوّل دولة الإمارات من متلقٍ للمعلومات الدولية أو مشارك لها، إلى جهة فاعلة توجّه وتستشرف مستقبل مكافحة المخدرات داخليًّا وخارجيًّا. لتتمكن من رسم نموذج للشراكة بين البُعدين المحلّي والدولي، واستثمار البيانات والرصد العالمي في تخطيط وقيادة محليّ فعّال يُعلي من سلّم الاستجابة ويعزّز حماية المجتمع الإماراتي.