اسعار واسواق

الجنيه المصري في مسار صعودي.. خبراء يتوقعون مزيداً من التحسن


شهد سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي تحسنًا ملحوظًا خلال الأيام الأخيرة، ليصل إلى أعلى مستوى له منذ تحرير سعر الصرف في مارس/آذار 2024.

وتراجع سعر الدولار في مصر ليستقر دون مستوى 49 جنيهًا، ما يعكس تحسن الأوضاع النقدية والمالية، ويطرح تساؤلا حول مدى قدرة العملة المصرية على مواصلة اتجاها الصاعد، بعد فترة من الضغوط الحادة والانخفاضات المستمرة.

تحسن الجنيه المصري مؤخرًا جاء مدفوعًا بزيادة التدفقات النقدية الأجنبية إلى السوق المحلية من عدة مصادر رئيسية، أبرزها عائدات السياحة المتزايدة، وزيادة الصادرات، وارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج، وانتعاش ملحوظ في مشتريات الخليجيين للعقارات المصرية، التي ساهمت في تعزيز المعروض من العملات الأجنبية داخل السوق.

هذا التحول عزز استقرار سعر الصرف، ودعم أداء العملة المحلية التي كانت تواجه ضغوطًا كبيرة في السنوات الأخيرة بفعل فجوة التمويل الخارجي، وتراجع ثقة المستثمرين لفترات محددة، بحسب خبراء مصرفيين.

سعر الدولار في مصر

بلغ متوسط سعر الدولار اليوم في البنك المركزي المصري نحو 48.37 جنيه للشراء، و49.51 جنيه للبيع، وهو ما اعتبره خبراء مؤشرًا على تحسن سيولة النقد الأجنبي لدى القطاع المصرفي. وتحدد أعلى سعر للدولار اليوم في البنوك، داخل مصرف أبوظبي الإسلامي عند 48.63 جنيه للشراء، بينما بلغ أعلى سعر بيع 48.72 جنيه.

وحقق سعر الدولار مقابل الجنيه مستوى 48.62 جنيه للشراء، و48.72 جنيه للبيع، في بنك القاهرة، بينما سجل في بنك قناة السويس نحو 48.50 جنيه للشراء، و48.60 جنيه للبيع، وفي بنك نكست نحو 48.47 جنيه للشراء، و48.57 جنيه للبيع.

وفي بنوك “الأهلي المصري” و”كريدي أغريكول”، و”فيصل الإسلامي”، و”العربي الأفريقي الدولي”، و”الأهلي الكويتي”، و”المصرف العربي”، و”العربي الدولي”، و”مصر”، و”الإسكندرية”، و”المصرف المتحد”، بلغ سعر الدولار اليوم نحو 48.40 جنيه للشراء، و48.50 جنيه للبيع.

وبلغ سعر الدولار في مصر اليوم مستوى 48.38 جنيه للشراء، و48.48 جنيه للبيع، في بنكي “SAIB” و”الكوبت الوطني”، و”التجاري الدولي”، و”التعمير والإسكان”، و”البركة”، و”قطر الوطني الأهلي”.

وبحسب بيانات المركزي المصري، تجاوز الدولار حاجز الـ50 جنيهًا لأول مرة هذا العام في 25 يونيو/حزيران الماضي، ليقترب من مستوى 51 جنيهًا، قبل أن يدخل في مسار هبوطي تدريجي استمر لأسابيع متتالية.

الدولار تحت الضغط

رأى هاني جنينة، كبير الاقتصاديين في شركة “كايرو كابيتال سيكيورتيز” وأستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، أن تحسن الجنيه المصري لا يمكن فصله عن التطورات الاقتصادية العالمية، خاصة ما يتعلق بأداء الدولار الأمريكي وتحركات رؤوس الأموال في الأسواق الناشئة.

وفي تصريحات لـ”العين الإخبارية”، أوضح جنينة أن عدداً من عملات الدول الناشئة -ومنها الجنيه المصري- بدأت في استعادة جزء من قوتها مقابل الدولار، نتيجة خروج تدريجي لرؤوس الأموال من العملة الأمريكية، وتحول بعض المستثمرين نحو تخصيص محافظهم الاستثمارية لأسواق ناشئة ومتقدمة خارج الولايات المتحدة.

وتراجعت العملة الأمريكية بشكل حاد منذ بداية 2025، حيث خسر مؤشر الدولار نحو 11% خلال النصف الأول من العام، وسط تزايد المخاوف من اتساع الدين العام الأمريكي والانقسام السياسي داخل واشنطن بشأن السياسات المالية.

وبحسب بيانات الأسواق، تراجع الدولار بحوالي 8% خلال أسبوعين فقط في يونيو/تموز 2025، ما دفع مؤسسات مالية كبرى مثل “جي بي مورغان” و”مورغان ستانلي” إلى توقع استمرار الاتجاه الهبوطي للدولار خلال الأشهر المقبلة، مع احتمالات انخفاض إضافي قد يصل إلى 10%.

من الأسباب الهيكلية التي تضغط على الدولار، تجاوز الدين السيادي الأمريكي حاجزًا قياسيًا بلغ 37 تريليون دولار، مقارنة بـ23 تريليونًا في 2020، لتقترب نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي من 100%، وهو ما يثير القلق بشأن استدامة السياسات المالية، ويهدد مكانة الدولار كعملة احتياطية عالمية.

جنينة أكد أن هذه المؤشرات دفعت العديد من المستثمرين إلى تقليل تعرضهم للعملة الأمريكية، والبحث عن بدائل استثمارية أكثر استقرارًا، وهو ما استفادت منه أدوات الدين في الأسواق الناشئة، ومنها مصر.

استثمارات أجنبية في أدوات الدين المصرية

وأشار الخبير الاقتصادي، إلى أن تحسن الجنيه كان مدعومًا أيضًا بتزايد تدفقات الاستثمارات الأجنبية إلى أذون الخزانة المصرية وعقود الـ(CIP)، وهي أدوات دين قصيرة الأجل تجذب المستثمرين الباحثين عن عوائد مرتفعة نسبيًا مع استقرار اقتصادي نسبي.

وأضاف أن هذا الإقبال من المستثمرين الأجانب أسهم في تعزيز الطلب على الجنيه، ما أدى إلى تسارع وتيرة تحسنه خلال الأسابيع الماضية، خاصة مع استقرار مؤشرات الاقتصاد الكلي، وتقدم الحكومة في مسار الإصلاحات.

وتوقع أن تشهد مصر تدفقات نقدية دولارية كبيرة خلال النصف الثاني من 2025، مدفوعة باستكمال المراجعات الرابعة والخامسة والسادسة مع صندوق النقد الدولي، التي من المزمع الانتهاء منها في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول المقبلين، تمهيدًا للحصول على شرائح تمويل إضافية.

وحصلت مصر على 3.5 مليار دولار بموجب اتفاق صندوق النقد الموقع في 2022، وتم توسيعه في مارس/آذار 2024 ليصل إلى 8 مليارات دولار، بحسب بيانات وزارة المالية المصرية وصندوق النقد.

تحول الودائع الخليجية إلى استثمارات مباشرة

ولفت جنينة إلى محادثات جارية بين الحكومة المصرية وعدد من الدول الخليجية لتحويل ودائعها لدى البنك المركزي إلى استثمارات مباشرة، وهو ما يعد تحولًا استراتيجيًا مهمًا على صعيد التمويل والاستثمار.

وأوضح أن الكويت تجري مفاوضات لتحويل وديعتها البالغة 4 مليارات دولار إلى استثمارات في السوق المصرية، بينما تتحرك قطر لضخ استثمارات في قطاع السياحة، وتركز السعودية على مشروعات الطاقة والبنية التحتية.

الجنيه لا يزال أقل من قيمته العادلة

في تحليله الفني، أشار جنينة إلى أن الجنيه المصري لا يزال “مقومًا بأقل من قيمته العادلة بنحو 10%”، بناء على نموذج داخلي خاص بشركته ولا يعتمد فقط على تقارير المؤسسات الدولية مثل “غولدمان ساكس” أو “جي بي مورغان”.

وبحسب تقديراته، فإن القيمة العادلة لسعر الصرف تدور بين 44.5 و45 جنيهًا للدولار، مؤكدًا أن استمرار تدفقات الاستثمارات الأجنبية – سواء المباشرة أو غير المباشرة – يمكن أن يبقي على الاتجاه الصاعد للجنيه خلال الشهور المقبلة.

مرونة سعر الصرف

قال الخبير المصرفي وأستاذ الاستثمار والتمويل، عز الدين حسانين، إن تحركات الجنيه في الاتجاهين صعودًا وهبوطًا تأتي في إطار سياسة سعر الصرف المرن التي ينتهجها البنك المركزي منذ عام 2022، والتي سمحت بتفاعل السوق مع المتغيرات الاقتصادية المحلية والدولية. 

وأوضح حسانين، أن تراجع الدولار من مستوى 50 جنيهًا إلى المستويات الحالية كان نتيجة تحسن عدد من المؤشرات الاقتصادية الجوهرية، أبرزها تحسن صافي الأصول الأجنبية لدى القطاع المصرفي، وزيادة التدفقات من العملة الأجنبية، وكذلك تحسن ميزان المدفوعات.

ووفقًا لبيانات المركزي المصري، انخفض عجز حساب المعاملات الجارية بنسبة 69.3% خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى مارس/آذار 2025، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، بدعم من ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج بنسبة 86.6%، وزيادة الإيرادات السياحية بنسبة 23%، بالإضافة إلى نمو الصادرات غير البترولية بنسبة 56.9%.

القيمة العادلة للجنيه

من العوامل التي ساهمت أيضًا في دعم الجنيه، ما أشارت إليه تقارير دولية تؤكد أن العملة المصرية لا تزال مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية. ووفق تقرير حديث لبنك “غولدمان ساكس”، فإن الجنيه المصري مقوم بأقل من قيمته العادلة بنحو 30%، وهو ما يشير إلى إمكانية استمراره في التحسن حال استمرار تدفقات النقد الأجنبي والاستقرار المالي.

وبحسب تقديرات حسانين، فإن القيمة العادلة للدولار 39 جنيهًا -على الورق-، لكنه لفت إلى أن العملة تخضع لعوامل العرض والطلب، مرجحًا أن يتراوح الدولار بين 45 و52.5 جنيه خلال الفترة المقبلة.

ارتفاع تحويلات العاملين بالخارج

من جانبه، قال الخبير المصرفي وعضو مجلس إدارة بنك القاهرة الأسبق، محمد بدرة، إن زيادة تحويلات المصريين العاملين بالخارج تعكس ارتفاع ثقة المواطنين في الاقتصاد المصري، وتوفر حوافز جديدة للاستثمار أو الادخار بالعملة الأجنبية داخل السوق المحلية.

وسجلت تحويلات المصريين بالخارج قفزة قوية خلال العام المالي الماضي، إذ بلغت نحو 32.8 مليار دولار خلال الفترة من يوليو/تموز 2024 حتى مايو/أيار 2025، مقابل 19.4 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام المالي السابق، بزيادة 69.6%. 

عوائد السياحة والاستثمارات الخليجية

وأوضح بدرة أن عوائد السياحة والمشتريات الخليجية للعقارات المصرية شكلت دعمًا إضافيًا للجنيه، خاصة مع تزايد الطلب من مستثمرين خليجيين على المشروعات السكنية والسياحية. 

كما أشار إلى أن استقرار الأوضاع السياسية والأمنية لعب دورًا مهمًا في تحسين صورة الاقتصاد المصري أمام المستثمرين الأجانب، لا سيما في ظل استمرار الحكومة في تنفيذ إصلاحات هيكلية وتعزيز ثقة المؤسسات الدولية.

وتوقع استمرار تحسن سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار خلال النصف الثاني من 2025، مدعومًا بالعوامل المشار إليها، إضافة إلى قرب إنهاء الحكومة المصرية مراجعات صندوق النقد الدولي، ما قد يفتح المجال لتدفقات تمويل جديدة. 

ولفت إلى الحديث عن تحركات خليجية لتحويل ودائع قائمة إلى استثمارات مباشرة، خاصة من الكويت وقطر والسعودية، وهو ما قد يعزز المعروض من العملة الأجنبية، ويمنح مزيدًا من الدعم لسعر الصرف.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى