«الوفاء لا يُراجع.. والتضحيات لا تُنسى» ‹ جريدة الوطن

كتب عمر الساعدي
«ولا تنسوا الفضل بينكم» – هكذا يُذكرنا القرآن الكريم بقيمة الوفاء، لا في العلاقات الشخصية فحسب، بل في السياسة بين الدول، حين يكون الفضل دماءً سالت، وأرواحاً ارتقت، وتضحيات لم تُنتظر منها مكافآت، بل حفظاً لعهد وشراكة ومصير مشترك.
في منطقة تتشابك فيها الحسابات، وتتعقّد فيها التحديات، لم تكن الإمارات يوماً طرفاً هامشياً، بل كانت وما زالت شريكاً أساسياً في حفظ استقرار الإقليم.
لم يكن دورها يوماً طارئاً أو متأرجحاً وفق المصالح الضيقة، بل دور أصيل مبني على المسؤولية والالتزام، وخاصة في الملفات الكبرى مثل اليمن، حيث كان الغياب خيانة للمصير العربي، وكان الحضور تلبية لنداء أمن مشترك لا يعرف التجزئة.
حين لبّت الإمارات نداء اليمن، لم يكن ذلك سعياً وراء دور أو مكسب، بل انطلاقاً من شعورٍ أصيل بالمسؤولية تجاه شقيق يمرّ بمرحلة حرجة. لم يكن حضورها في الميدان إلا استجابة لنداء الأخوّة، ومنعاً لانهيار كان سيطال أثره الجميع. وقد ارتقى شهداؤنا الأبرار بقلوبٍ مؤمنة، وهم يؤدون واجباً رأت فيه الإمارات جزءاً من التزامها الأخلاقي والإنساني. وعلى الأرض، امتدّ العطاء الإماراتي إلى كل زاوية من اليمن، حيث تجاوزت المساعدات الإنسانية والتنموية 6 مليارات دولار، شملت أكثر من 22 محافظة، في دعمٍ للبنية التحتية، وتأهيل الموانئ، وتوفير الغذاء والدواء، وإغاثة المتضررين.
هل يُعقل بعد كل هذا أن تُساء النية، ويُعاد رسم الدور الإماراتي على أنه تهديد؟ وهل أصبح الدفاع عن الأمن القومي العربي جريمة تُساءل عنها الدول، لا مكرمة تُشكر عليها؟
إن ما شهدناه من مواقف وتصريحات في الآونة الأخيرة لا يبدو مجرد تباين في وجهات النظر، بل يُظهر حاجة إلى مراجعة أسلوب إدارة الخلاف. فالشراكة بين الدول لا تُقاس بلحظة عابرة، بل تُبنى على رصيد من الثقة والمواقف المشتركة، وعلى تضحيات جسّدتها الميادين في أوقات عصيبة.
الإمارات لم تكن يوماً دولة تبحث عن مجد شخصي أو تدخل غير مبرر، بل كانت شريكة، بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فهل يُعقل أن نُحمّل من أنقذ، مسؤولية الأزمة؟ أن يُدان من حمى، ويُغض الطرف عمن تسبّب؟
ما تحتاجه المرحلة اليوم ليس إعادة تقييم الشريك، بل إعادة ضبط البوصلة. الإمارات لم تغيّر موقعها، ولم تعلن انسحاباً من مسؤولية، لكنها ترفض أن تتحول التضحيات إلى موضوع للتشكيك. فالشراكة تُبنى على الاحترام، وأخلاق التحالف أن نُقدّر من وقف معنا، لا أن نجحد تضحياته ونتناسى وقفاته المشرفة.
ختاماً، تُقاس الدول بمواقفها في لحظات الاختبار، والإمارات حين دُعيت لتحمل المسؤولية، لبّت النداء دون تردد. واليوم، نعيد التأكيد بهدوء ووضوح: من اختار معنا طريق الشراكة، نبادله الوفاء بالمثل، ومن التبس عليه المشهد، نترك للأفعال أن تشرح ما قد تعجز عنه الكلمات. فالحقيقة لا تحتاج إلى رفع الصوت، والتاريخ لا ينسى من قدّم، ولا يُنكر من وفى.




