حصاد 2025.. عام إعادة تشكيل المشهد الثقافي العالمي
حمل عام 2025 تحولات ثقافية عميقة أعادت صياغة دور الفنون والمؤسسات الإبداعية عالميًا، وسط تداخل غير مسبوق بين الثقافة والتكنولوجيا.
أعاد عام 2025 تعريف المشهد الثقافي العالمي، بعدما شهد سلسلة من الأحداث المفصلية التي تجاوزت حدود الفنون والترفيه، لتصبح الثقافة في قلب النقاشات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية. فقد تزامنت عودة الفعاليات الحضورية بقوة مع تصاعد قضايا الهوية والاستدامة والذكاء الاصطناعي، ما منح الثقافة دورًا محوريًا في فهم التحولات الكبرى التي يشهدها العالم.
بينالي البندقية
على مستوى الفنون البصرية، رسّخت بينالي البندقية مكانتها كمنصة عالمية لقراءة المستقبل، من خلال دورة ركزت على التحولات البيئية والذاكرة الجمعية والذكاء الاصطناعي. وقد شكّلت المشاركة الواسعة لفنانين من الجنوب العالمي إعادة توازن للخطاب الفني الدولي، وأسهمت في كسر مركزية الرؤية الغربية للفن المعاصر.
تأسس بينالي البندقية عام ١٨٩٥ كمعرض دولي للفنون لمدينة البندقية، بهدف الترويج “لأسمى مظاهر الروح المعاصرة دون تمييز بين الدول”. وشهد البينالي الأول، الذي حظي بشهرة عالمية واسعة واستقبل أكثر من ٢٠٠ ألف زائر، مشاركة فنانين من ١٦ دولة. وبعد الحرب العالمية الثانية، أصبح البينالي المنصة الرائدة للفن المعاصر والحركة الطليعية العالمية.
مهرجان كان السينمائي
وفي السينما، واصل مهرجان كان أداء دوره كمختبر للاتجاهات الجديدة في الصناعة، مع حضور مكثف لأفلام تناقش قضايا السياسة والهوية والهجرة، إلى جانب بروز أسماء شابة فرضت نفسها على خريطة التوزيع العالمي، مؤكدة أن السينما لا تزال أداة فاعلة في مساءلة الواقع.
شهدت هذه الدورة تكريم الممثل الأمريكي روبرت دي نيرو بمنحه السعفة الذهبية الفخرية. وبعد يوم واحد من الإعلان عن الاختيار الرسمي لـ ACID ACID، قُتلت المصورة الصحفية الفلسطينية فاطمة حسونة، إحدى الشخصيات الرئيسية في الفيلم الوثائقي “ضع روحك في يديك” للمخرجة سبيده فارسي، مع 10 أفراد من عائلتها في غارة جوية إسرائيلية على منزلهم في مدينة غزة 16 أبريل 2025.
وأصدر المهرجان بيانًا رسميًا يُعرب فيه عن تعازيه وينتقد الحرب والعنف المستمرين في غزة. وفي يوم افتتاح المهرجان، وقَّع أكثر من 350 مخرجًا وممثلًا ومنتجًا، من بينهم جوناثان جليزر، ونوري بيلجي جيلان، على رسالة تُدين مقتل الصحفية حسونة وتدين الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، قائلين: “لا يمكننا أن نبقى صامتين بينما تحدث الإبادة الجماعية في غزة”.
أسبوع باريس للموضة
أما الموضة، فقد شهدت خلال أسبوع باريس تحولات واضحة في فلسفة الإنتاج والعرض، مع تصاعد الاهتمام بالاستدامة واستخدام المواد الصديقة للبيئة، والاعتماد المتزايد على العروض الرقمية والهجينة، في انعكاس مباشر لتغير علاقة الموضة بالتكنولوجيا والجمهور.
بدا أسبوع باريس للموضة ربيع وصيف 2026 حافلاً بالمحطّات المميزة مع وصول عدد من المديرين الإبداعيين الجدد إلى دور الأزياء العالمية. وقدّمت دار Chanel ست مجموعات من توقيع الأستوديو الخاص بها في الفترة الممتدة بين استقالة مديرتها الإبداعية السابقة فيرجيني فيارد في يونيو من العام 2024، وتقديم ماثيو بلازي، المدير الإبداعي الجديد لأول مجموعاته في أكتوبر الجاري، وهذا ما جعل من عرضه من بين الأكثر ترقباً بين عروض أسبوع باريس للموضة.
وأقيم عرض Chanel في القصر الكبير التاريخي على خلفية مشهد من النظام الشمسي. وهو تجاوز التوقعات برأي العديد من نقاد الموضة العالميين الذين أثنوا على ما قدمه المصمم ماثيو بلازي البالغ من العمر 41 عاماً في أول تعاون له مع هذه الدار الفرنسية العريقة.
إكسبو أوساكا 2025
وفي مجال المعارض الدولية، مثّل إكسبو أوساكا 2025 نموذجًا جديدًا للمعارض العالمية، حيث جمع بين الابتكار العلمي والبرامج الثقافية والفنية، مقدّمًا رؤية تدمج المستقبل بالتنوع الحضاري والهوية الإنسانية المشتركة.
ووفق وكالة رويترز، فإن اليابان اغتنمت هذه الفرصة لقيادة حوار عالمي حول الاستدامة والمجتمع الدائري، حيث يجسد جناح اليابان، المبني من خشب الأرز المحلي بهيكله الدائري، دورة الحياة. ويضم الجناح محطة غاز حيوي عاملة، توضح كيف يمكن أن تتحلل نفايات الطعام من المعرض بواسطة الكائنات الدقيقة وتتحول إلى ماء وطاقة. ولا يكتفي الزوار بمشاهدة هذه الدورة، بل يتجولون خلالها، ليصبحوا جزءًا من القصة، ويصبح الجناح “هيكلًا حيًا”، يتيح للناس تجربة كيف يمكن للنفايات أن تصبح مصدرًا للطاقة والاستمرارية.
معرض فرانكفورت للكتاب
أدبيًا، أعاد معرض فرانكفورت الدولي للكتاب تثبيت موقعه كأكبر منصة لصناعة النشر عالميًا، مع اهتمام متزايد بالأدب المترجم وأصوات الكتّاب الشباب، ونقاشات موسعة حول الذكاء الاصطناعي وحقوق الملكية الفكرية في عصر الإنتاج الرقمي.
ويعد معرض فرانكفورت الدولي للكتاب أكبر تظاهرة دولية ثقافية تعنى بالكتاب والأدب بصفة عامة، المعرض يعد الأهم في العالم والذي يبلغ عمره الآن أكثر من خمسة قرون، ففي كل عام يلتقي عشرات الألوف من المثقفين والكتاب والباحثين والناشرين من كل البلدان وتلتقي أيضا عشرات الألوف من عناوين الكتب من كل الثقافات.
افتتاح المتحف المصري الكبير
وعلى الصعيد العربي، شكّل افتتاح المتحف المصري الكبير بكامل طاقته حدثًا ثقافيًا عالميًا بارزًا، عزّز مكانة مصر كمركز حضاري دولي، وأعاد طرح أسئلة معاصرة حول إدارة التراث وحمايته في القرن الحادي والعشرين.
كما مثّل انتخاب الدكتور خالد العناني مديرًا عامًا لليونسكو إنجازًا مصريًا وعربيًا غير مسبوق، في توقيت تواجه فيه المنظمة تحديات كبرى تتعلق بحماية التراث في مناطق النزاع وتعزيز العدالة الثقافية عالميًا، ما منح الحدث بعدًا سياسيًا وثقافيًا بالغ التأثير.
أزمات متحف اللوفر
في المقابل، كشفت أزمات متحف اللوفر في باريس عن هشاشة بعض المؤسسات الثقافية الكبرى، بعد وقائع سرقة واحتجاجات عمالية ومشكلات بنيوية، ما فتح نقاشًا واسعًا حول مستقبل إدارة التراث العالمي وعلاقة الثقافة بالسياسات الاقتصادية.
وشملت مسروقات متحف اللوفر، مجوهرات تاجية تاريخية في حدث حديث مثل تاج وقلادات وأقراط ماريا أماليا وهورتنس دي بوهارنيه ومجوهرات من مجموعة الإمبراطورة ماري لويز وتاج وأقراط من مجموعة أوجيني دي مونتيجو، وقد حددتها وزارة الثقافة الفرنسية.
حضور عربي سينمائي
وعلى المستوى الإنساني، لفت الحضور العربي المتزايد في المحافل السينمائية والثقافية الأنظار، خاصة مع أفلام حملت قضايا إنسانية كبرى إلى المنصات العالمية، مؤكدة دور الثقافة كأداة للتوثيق والمساءلة وبناء الوعي، وأبرزها فيلم “صوت هند رجب”.
وشهدت السينما العربية في 2025 نشاطًا ملحوظًا من خلال تنوع الإنتاج، وتألق أفلام عربية في مهرجانات عالمية مثل”اللي باقي منك”، وتصدر مصر لقائمة الأكثر تأثيرًا، بالإضافة إلى إيرادات قوية لأفلام مثل “سيكو سيكو” و”المشروع X” في شباك التذاكر المصري، مع التركيز على مواضيع اجتماعية جريئة، وتواجد نجوم عالميين في مهرجانات مثل “البحر الأحمر”.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز
