هجوما أستراليا وسوريا.. «داعش» يرفع منسوب القلق في احتفالات العام الجديد

رغم تراجع نفوذه، إلا أن تنظيم «داعش» لا زال قادرًا على شن هجمات، وإعادة ترتيب أوراقه عبر شبكات محلية وفردية حول العالم.
فمن هجوم قاتل قرب تدمر أسفر عن مقتل أمريكيين، إلى أحداث عيد الحانوكا في سيدني، يبرز نموذج «العمل الفردي» الذي أصبح أكثر احترافية وانتشارًا، ليؤكد أن التنظيم الإرهابي لم يختفِ بل تغيرت أدواته وأساليبه.
ورغم الهزائم العسكرية والخسارة الفعلية لخلافته في العراق وسوريا، يواصل داعش استغلال الفوضى الإقليمية والأزمات السياسية لتعزيز وجوده الرمزي والفكري، سواء في الصحراء الأفريقية أو من خلال توجيه الأفراد في الغرب.
ومع تصاعد الصراعات في غزة وسوريا، يظل التنظيم يختبر الحدود، مستفيدًا من الأزمات ليعيد إنتاج تهديده في مناطق جديدة، مُذكّرًا العالم بأن الظل الطويل لداعش لا يزال حاضرًا رغم سنوات القتال والتقويض.
فأين «داعش» الآن؟
بالنسبة للخبراء الذين يدرسون «داعش»، والمسؤولين الأمنيين والاستخباراتيين الذين يحاربونه، والعدد المتزايد من ضحايا الهجمات أو التهديدات، فإن التنظيم الإرهابي لم يختفِ تمامًا، بل أصبح تهديدًا متقلصًا، لكنه لا يزال قائمًا.
وقال آرون زيلين، خبير في الجماعة وزميل في معهد واشنطن للسياسة في الشرق الأدنى، في تصريحات لشبكة «إن بي سي نيوز» الأمريكية: «لم يختفوا أبدًا. طبيعة التهديد تغيرت، وطريقة تنظيمهم تغيرت، لكن ما يحرك داعش لم يتغير».
في نهاية الأسبوع الماضي، أطلق عضو من قوات الأمن السورية النار وقتل ثلاثة أمريكيين — جنديين ومترجم — قرب مدينة تدمر. لم يعلن داعش مسؤوليته عن الهجوم، لكن الحكومتين الأمريكية والسورية ألقتا اللوم عل التنظيم الإرهابي.
وردًا على الهجوم، شنت القوات الأمريكية ضربات على بنى تحتية ومواقع أسلحة تابعة لداعش في سوريا، وفق مسؤولين أمريكيين. وقال الرئيس دونالد ترامب: «نضرب بقوة معاقل داعش في سوريا، بلد غارق بالدماء ويواجه العديد من المشاكل، لكنه يمكن أن يكون له مستقبل مشرق إذا تم القضاء على داعش».
وفي سيدني، فتح رجلان النار على تجمع للاحتفال بعيد الحانوكا في بوندي بيتش يوم الأحد، ما أسفر عن مقتل 15 شخصًا على الأقل. وأصيب الرجلان برصاص الشرطة، مات أحدهما بينما نجا الآخر — وهو ابن الأول — وتم توجيه تهم إليه. وأشادت حسابات «داعش» على وسائل التواصل بالهجوم لكنها لم تعلن رسميًا مسؤوليتها، ووصفت العملية في منشور رسمي بأنها «فخر سيدني». وُجدت أعلام ودعاية تابعة لداعش بحوزة المشتبه بهما.
ضعف لا اختفاء
ورغم انتشار الهجومين جغرافيًا، وهويات القتلى والانطباع بأن «داعش» قد تلاشى من العناوين العالمية، يرى الخبراء أن هذه الهجمات استثناء يكشف حقيقة قابلة للقياس: داعش يضعف تدريجيًا، وتراجع عدد الاعتقالات والهجمات عالميًا.
وقال ريناد منصور، زميل بحث في تشاتام هاوس بلندن: «دائمًا سيكون هناك مساحة لهجمات هنا وهناك، لكن المسار العام يشير إلى استمرار تراجع داعش. أي شخص لديه غضب ويجد شبكة يمكنه الهجوم، وفي كثير من الحالات لا يعرف قادة داعش المركزيون إلا بعد وقوع الحدث، ثم يعلنون مسؤوليته».
وأشار إلى أن التنظيم الإرهابي أعلن مسؤوليته عن 1,100 هجوم حتى عام 2025، مقارنةً بـ3,460 هجومًا في 2019. وبلغ عدد الاعتقالات المتعلقة بـ«داعش» عالميًا 383 حالة حتى الآن في 2025، وفق زيلين.
وأبرزت الهجمات الأخيرة استراتيجية كانت تجعل داعش فعالًا سابقًا: السماح للمهاجمين الفرديين بالارتباط بالجماعة دون رقابة أو تنسيق كبير، وهو ما وصفته ربيكا وينر، نائب مفوض الاستخبارات ومكافحة الإرهاب في شرطة نيويورك: «لقد أصبح نموذج العمل الفردي محترفًا، ونُفذ حول العالم، ملهمًا العشرات لتنفيذ هجمات باسم داعش».
ورغم هزيمة داعش، ظلت «الخلافة» جزءًا مركزيًا من رسالة التنظيم الإرهابي، مع تحول التركيز نحو الإرهاب أكثر من بناء الدولة.
ويشار إلى أن المشتبه بهما في هجوم بوندي بيتش زارا الفلبين قبل الهجوم، وقد يشير التدريب على العمليات الخاصة هناك إلى مستوى من التنسيق المركزي لم يُرَ منذ سنوات.
كما أظهرت أنشطة «داعش» خلال العام الماضي جاذبية مستمرة، وإن كانت أقل قوة، ففي بولندا اعتُقل مراهق لمحاولته الاتصال بالجماعة والتخطيط لهجوم على سوق عيد الميلاد، وفي ميشيغان وُجهت تهم لرجلين بتدبير هجوم جماعي في عطلة الهالوين، وقبل عام، قتل أمريكي مسلم مستوحى من داعش 14 شخصًا في نيو أورلينز بسيارته.
انخفاض الهجمات
ولا يزال التنظيم غير قادر على إعادة تأسيس خلافته المزعومة في العراق وسوريا، رغم أن الهجمات في هذين البلدين وصلت إلى أدنى مستوياتها تاريخيًا خلال العام الماضي، بينما أحرز تقدمًا في منطقة الساحل في شمال غرب أفريقيا، في مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
وقال زيلين: «حتى مع نشاطهم في عدة دول أفريقية، لا تحظى هذه الأنشطة بنفس القدر من الاحترام الأيديولوجي الذي يتمتع به العالم العربي».
ورغم الهجوم القاتل في سيدني، صدّت أجهزة الأمن العديد من هجمات داعش بفضل التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب.
ووفق المراقبين، قد تساعد بعض التغيرات الأخيرة على إعادة إحياء التنظيم، مثل تراجع نظام الأسد في سوريا العام الماضي، والانضمام الأخير للرئيس السوري أحمد الشرع إلى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لهزيمة داعش، ما جعله هدفًا للتنظيم الإرهابي.
واستغل التنظيم حرب لدفع هجمات ضد الغرب، ويقول كولين بي. كلارك، المدير التنفيذي لمركز سوفان في نيويورك: «لقد صعدت حرارة الصراع في غزة خلال العامين الماضيين، وجذبت شريحة أكبر من الناس نحو المحتوى المتطرف عبر وسائل التواصل الاجتماعي».
ظلال داعش في 2026
ومع اقتراب الاحتفالات الدينية في نهاية العام، يراقب مقاتلو داعش — سواءً كانوا مستقلين أو تحت قيادة التنظيم — الفعاليات، ويحذر المحللون من أن هجومًا كبيرًا آخر على أهداف دينية قد يمنح الجماعة دعاية مهمة لزيادة تأثيرها ونجاعتها في 2026.
وقال كلارك: «هذه أوقات مهمة قد يحاولون فيها تنفيذ هجمات، وإذا تمكنوا من تنفيذ شيء سريعًا، فسيكون ذلك حدثًا هائلًا بالنسبة لهم، لأنهم لم يتمكنوا من القيام بمثل هذه الأعمال منذ سنوات».
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=
جزيرة ام اند امز




