أوروبا في مواجهة ترامب.. بين ضغوط الجيوسياسة وأطماع الاقتصاد

على مدار العام الماضي، حاول القادة الأوروبيون احتواء الهجمات السياسية والاقتصادية التي شنّها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
جاء ذلك عبر أساليب دبلوماسية تقليدية: الإطراء، والاستقبالات الرسمية، والتعهد بشراء مزيد من السلاح والغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة. لكن هذه المقاربة لم تنجح في كبح التصعيد، بل على العكس، تكاثرت الضغوط الأمريكية على أوروبا وتحوّلت إلى نهج متكامل يستهدف إضعاف الاتحاد الأوروبي نفسه.
ووفقا لتحليل نشرته مجلة “فورين بولسي”، كان أحدث هذه الضغوط هو مقترح ترامب للسلام في الحرب الروسية-الأوكرانية، وهو مقترح من 28 نقطة جرى تقديمه دون تشاور مع كييف. وفي موازاة ذلك، وصفت الاستراتيجية الأمنية القومية الأمريكية أوروبا بأنها قارة تعاني “تراجعًا اقتصاديًا” و”تآكلًا حضاريًا”، مع إبداء دعم صريح لأحزاب أوروبية معادية للاتحاد الأوروبي. وهذه المواقف، وفق مراقبين، ليست عشوائية، بل تشكّل أجزاء مترابطة من رؤية واحدة تخدم الطموحات الجيو-اقتصادية لإدارة ترامب.
هدفان رئيسيان
أما جوهر هذه الرؤية فيقوم على هدفين رئيسيين: فتح روسيا مجدداً أمام الاستثمارات الأمريكية، وضمان حرية تنظيمية شبه كاملة لشركات وادي السيليكون داخل السوق الأوروبية. وكلا الهدفين يتطلب، من وجهة نظر واشنطن، إضعاف الاتحاد الأوروبي وتقليص قدرته التنظيمية والسياسية. وفي هذا السياق، لا تبدو الأحزاب اليمينية في أوروبا مجرد حلفاء أيديولوجيين، بل عنصرًا فاعلًا في “خطة العمل” الأمريكية.
وأشار التحليل إلى تفاصيل جديدة كشفتها تقارير صحفية أمريكية وأثارت قلقًا متزايدًا في العواصم الأوروبية. وأفادت بأن فريق ترامب التفاوضي لم يعد يرغب في استخدام الأصول الروسية المجمّدة لإعادة إعمار أوكرانيا، بل يسعى إلى توظيفها كرافعة لإعادة دمج روسيا اقتصاديًا. وتقوم الفكرة على استخدام أموال محتجزة في أوروبا لتمكين شركات أمريكية من الاستحواذ على أصول روسية أو الدخول في شراكات استراتيجية، في إطار ما يوصف بإعادة روسيا “من البرد إلى النظام الاقتصادي العالمي”.
ويعزز هذا التوجّه طرح مشاريع كبرى مثل إحياء خط أنابيب “نورد ستريم 2”، وإعادة شركات أمريكية عملاقة إلى مشاريع الطاقة الروسية، وتطوير استثمارات في القطب الشمالي والمعادن النادرة. لكن نجاح هذه الخطط يتطلب عودة أوروبا لفتح أسواقها أمام روسيا، خاصة في قطاع الطاقة، ما يعني تخفيف العقوبات وإضعاف الموقف السياسي الأوروبي الموحّد.
أزمة شركات التكنولوجيا
وفي موازاة ذلك، تصطدم شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى بجدار تنظيمي صلب في بروكسل. فبينما تدفع إدارة ترامب نحو تحرير كامل لقطاع الذكاء الاصطناعي داخل الولايات المتحدة، تواصل المفوضية الأوروبية فرض غرامات والتحقيق في ممارسات شركات مثل “ميتا” و”غوغل” و”إكس”، ما يجعل الاتحاد الأوروبي العقبة الأكبر أمام توسع هذه الشركات دون قيود.
وأمام هذا المشهد، تجد أوروبا نفسها في موقف بالغ الحساسية، خاصة في ظل اعتمادها الأمني المستمر على الولايات المتحدة مع استمرار الحرب في أوكرانيا. ويرى محللون أن الرد الأوروبي الفعّال يتطلب وحدة سياسية واضحة، وصياغة خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، إلى جانب طرح مبادرة أوروبية مستقلة للسلام.
كما يبرز خيار العمل عبر تحالف غير رسمي من الدول الأوروبية المتقاربة في الرؤية، لتجاوز الانقسامات الداخلية، واستخدام أوراق القوة المتاحة، وعلى رأسها الأصول الروسية المجمّدة، وحجم السوق الأوروبية، ودورها الحيوي في سلاسل الإمداد العالمية. فبدون تنسيق استراتيجي وضغط جماعي، قد تجد أوروبا أن أدواتها الاقتصادية.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=
جزيرة ام اند امز




