اسعار واسواق

بطلان قرار الرئاسي بشأن الانتخابات.. خطوة إصلاحية أم بداية أزمة جديدة؟


في مشهد ليبي مثقل بصراع الشرعيات وتنازع المؤسسات، جاء الحكم القضائي الصادر في بنغازي ليُشعل جولة جديدة من التوتر بين المجلس الرئاسي والسلطة التشريعية، بعدما أبطل القضاء قرارات تتعلق بإنشاء هيئة موازية لإدارة المسار الانتخابي.

الحكم، الذي تباينت آراء خبراء ومحللين لـ«العين الإخبارية» حوله، يراه البعض تصحيحًا لمسار انحرف عن روح القانون، بينما يحذّر آخرون من أن الخطوة قد تُعمّق الانقسام القائم وتُعيد إنتاج أزمة الصلاحيات، مُهدّدة بفتح باب صدام سياسي جديد حول من يمتلك شرعية قيادة العملية الانتخابية وإدارتها.

وأصدرت محكمة استئناف بنغازي، الثلاثاء، قرارًا بمنح الصيغة التنفيذية للحكم الصادر في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 عن الدائرة الإدارية الثانية، في الدعوى الإدارية رقم (282/2024) والمرفوعة من رئيس مجلس الوزراء بالحكومة الليبية، الدكتور أسامة حماد، ضد القرارات الصادرة عن المجلس الرئاسي والمتعلقة بإنشاء المفوضية الوطنية للاستفتاء والاستعلام وتشكيل مجلس إدارتها.

إلغاء قرارات الرئاسي

وقضت المحكمة بإلغاء القرار رقم (18 لسنة 2024) بشأن إنشاء المفوضية الوطنية للاستفتاء والاستعلام، والقرار رقم (26 لسنة 2024) الخاص بتشكيل مجلس إدارتها، إضافة إلى القرارات ذات الصلة الصادرة عن المجلس الرئاسي، مع ما يترتب على ذلك من آثار قانونية، وإلزام الجهة المطعون ضدها بالمصاريف.

وبحسب منطوق الحكم وأسبابه، رأت المحكمة أن المجلس الرئاسي تجاوز حدود اختصاصاته واعتدى على اختصاصات السلطة التشريعية المتمثلة في مجلس النواب، مخالفًا القانون رقم (8 لسنة 2013) الخاص بإنشاء المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، وهو ما اعتبرته المحكمة «عيبًا جسيمًا يصل إلى حد اغتصاب السلطة».

مخالفة القوانين

وأكدت المحكمة في حيثياتها أن أي قرارات تصدر عن السلطة التنفيذية يجب ألا تتعارض مع القوانين النافذة، تطبيقًا لمبدأ سيادة القانون وخضوع جميع الهيئات والأفراد لأحكامه.

وأشارت إلى أن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات هي الجهة الوحيدة المختصة قانونًا بتنظيم العملية الانتخابية، وأن إنشاء هيئة موازية يخلق تضاربًا في الاختصاصات ويُعد اعتداءً على التشريعات القائمة.

محكمة استئناف بنغازي

لا هيئة موازية

وفي السياق ذاته، علّق الخبير القانوني والمحلل السياسي الليبي عبدالله الديباني على الحكم، معتبرًا أنه جاء ليحسم الجدل القانوني حول مشروعية قرارات المجلس الرئاسي بشأن إنشاء مفوضية للاستفتاء والاستعلام.

وقال الديباني لـ«العين الإخبارية» إن الحكم أكد أن المجلس الرئاسي لا يملك إنشاء هيئة موازية للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات، موضحًا أن الهيئة المقترحة تمارس مهامًا واردة نصًا في اختصاص المفوضية العليا، ما يجعلها في حالة تعارض مباشر مع هيئة سيادية مخوّلة بقانون.

وأضاف أن الاتفاق السياسي المنظّم لاختصاصات المجلس الرئاسي لا يمنحه صلاحية تأسيس هياكل سيادية جديدة، معتبرًا الخطوة «قرارًا عشوائيًا وغير مدروس» ووسيلة للضغط على السلطتين التشريعية والتنفيذية.

محكمة استئناف بنغازي

وأشار الديباني إلى أن الأحكام القضائية تتمتع بحجية الشيء المقضي به، ما يمنح هذا الحكم قوة قانونية تُسقط شرعية الهيئة التي حاول الرئاسي تأسيسها، مؤكدًا أن السلطة التنفيذية لا يجوز لها التدخل في إنشاء مؤسسات انتخابية أو استفتائية لها مفوضية سيادية مختصة.

القضاء بمواجهة الانقسام

من جانبه، قال الباحث والصحفي والمحلل السياسي الليبي سالم سويري إن القضاء الليبي ظل المؤسسة الوحيدة التي حافظت على وحدتها واستقلالها رغم الانقسام السياسي، مشيرًا إلى أن الأحكام التي تصدر في أي مدينة ليبية كانت تُحترم وتُنفذ في مختلف المناطق.

وأضاف سويري أن الحكم الأخير يحمل دلالة رمزية قوية، إذ يؤكد ــ بحسب قوله ــ عدم شرعية قرارات المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية التي «انتهت ولايتها وتجاوزت المهام الموكلة إليها وفق اتفاقَي الصخيرات وجنيف».

محكمة استئناف بنغازي

تعميق الانقسام

وأوضح سويري أن خطوة المجلس الرئاسي بإنشاء هيئة جديدة تتعلق بالانتخابات «خطوة غير شرعية» واعتداء على اختصاصات مجلس النواب، معتبرًا أنها خطوة مرفوضة شعبيًا وقانونيًا وسياسيًا لأنها «تخدم أطرافًا سياسية محددة ولا تخدم الشعب الليبي».

وأشار إلى أن الرئاسي لم يحقق تقدمًا في الملفات الأساسية، وعلى رأسها المصالحة الوطنية، وبدلًا من دعم إصلاح المفوضية الحالية سعى إلى إنشاء هيئة موازية تعمّق حالة الانقسام المؤسسي.

واختتم سويري بأن المجلس الرئاسي لا يزال قائمًا «بحكم الأمر الواقع» رغم انتهاء شرعيته، وسيستمر ــ بحسب قوله ــ في اتخاذ قرارات غير شرعية، معتبرًا أن تنفيذ الحكم القضائي يتطلب قوة جبرية، في وقت يرفض فيه الليبيون الدخول في مرحلة انتقالية جديدة ويطالبون بانتخابات رئاسية عاجلة.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى