اسعار واسواق

بين ضغط الحرب ومسؤولية التاريخ.. ميرتس يختبر توازن ألمانيا في إسرائيل


في أول زيارة له إلى إسرائيل منذ تولّيه منصبه، يصل المستشار الألماني فريدريش ميرتس إلى تل أبيب في مهمة دبلوماسية معقّدة تؤكد حساسية علاقة البلدين.

الزيارة تأتي في ظل انتقادات ألمانية متزايدة للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة والعنف المتصاعد في الضفة الغربية، مقابل تمسّك برلين بمسؤوليتها التاريخية تجاه الشعب اليهودي، وتقديرها للدور الأمني الذي تلعبه إسرائيل في الشرق الأوسط.

ورغم أن الزيارة تحمل طابعًا بروتوكوليًا، فإنها تأتي في سياق سياسي شديد الاضطراب: عزلة دولية يعيشها بنيامين نتنياهو، وضغوط داخلية ألمانية بسبب الحرب، وانقسام أوروبي بشأن التعامل مع حكومة إسرائيل، فضلًا عن تأثير خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإعادة إعمار غزة ووقف إطلاق النار، والتي تمثّل الإطار السياسي الناظم للمرحلة الحالية.

أجندة مزدحمة

استهلّ ميرتس جولته للشرق الأوسط بزيارة قصيرة إلى مدينة العقبة في الأردن، حيث التقى الملك عبد الله الثاني في جلسة وصفها المستشارية بأنها «مهمة لتنسيق الجهود الإقليمية».

وبعد ساعتين فقط، انتقل إلى القدس لقضاء ليلة ويوم كاملين، على أن يلتقي الأحد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في اجتماع يحمل رمزية خاصة، نظرًا لمكانة ألمانيا كشريك استراتيجي تاريخي لإسرائيل.

وبحسب المتحدث باسم المستشار سيباستيان هيل، فإن العلاقات بين البلدين «سليمة ووثيقة ومبنية على الثقة»، رغم الخلافات السياسية التي ظهرت في الأشهر الأخيرة حول الوضع الإنساني في غزة.

بين الإرث التاريخي والانتقادات السياسية

ولا تزال ألمانيا تُعلن التزامها العميق بأمن إسرائيل استنادًا إلى مسؤوليتها التاريخية عن محرقة اليهود، وهي الخلفية التي تفسّر زيارات أي مسؤول ألماني رفيع إلى مؤسسة «ياد فاشيم» التذكارية، والتي سيزورها ميرتس الأحد.

لكن هذه المسؤولية لم تمنع برلين من اتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه الحكومة الإسرائيلية خلال الأشهر الماضية، خصوصًا بعد تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة.

ففي أغسطس/آب 2025، فجّر ميرتس جدلًا سياسيًا واسعًا عندما فرضت الحكومة الألمانية حظرًا جزئيًا على تصدير الأسلحة لإسرائيل ردًا على تكثيف العمليات العسكرية في القطاع.

ورغم أن الهدنة أعادت رفع الحظر نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، فإن هذا القرار ترك أثرًا سياسيًا عميقًا في تل أبيب وبرلين على حدّ سواء.

ووفق محللين لـ«فرانس برس»، فإن ميرتس يسعى إلى إعادة ضبط العلاقة مع إسرائيل، لكن دون التخلّي عن الخطاب النقدي الذي تبنته برلين بشأن المستوطنات وعنف المستوطنين في الضفة الغربية.

غزة في قلب الاجتماعات

وينتظر أن يكون الملف الغزي العنوان الأبرز في اجتماع ميرتس ونتنياهو. فوفق المتحدث باسم المستشار، سيبحث الطرفان «الجهود المبذولة للانتقال إلى المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في قطاع غزة»، وهو اتفاق هشّ دخل حيّز التنفيذ قبل شهرين، لكنه يشهد يوميًا تبادلًا للاتهامات بين إسرائيل وحركة حماس حول خروقاته.

ويثير هذا الارتباك تساؤلات حول قدرة إسرائيل على الالتزام بخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب وإعادة إعمار غزة، خاصة في ضوء عدم وجود تقدّم ملموس على الأرض.

الحرب التي اندلعت إثر هجوم حركة حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تسببت – وفق الأرقام المتداولة – في مقتل أكثر من 70 ألف فلسطيني جراء العمليات الإسرائيلية المتواصلة.

توتر الضفة.. وقلق ألماني متصاعد

ويتوازى القلق الألماني بشأن غزة مع غضب متصاعد من تدهور الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل منذ 1967.

فقد دانت برلين مرارًا «الزيادة الهائلة في عنف المستوطنين»، ودعت الحكومة الإسرائيلية إلى وقف التوسع الاستيطاني، وهو ملف لطالما اعتبرته الحكومات الألمانية «عقبة مباشرة أمام أي مسار سلام».

وبحسب جيل شوحط من مؤسسة روزا لوكسمبورغ، فإن اختلاف النبرة بين برلين وتل أبيب لا يتعدّى «التباعد الخطابي»، لأن التعاون الأمني بين الطرفين ما يزال في أعلى مستوياته.

تعاون دفاعي عميق

أما أحد أبرز مؤشرات عمق العلاقة الأمنية بين البلدين ظهر الأسبوع الماضي عندما أعلن الجيش الألماني تشغيل القسم الأول من منظومة «آرو» (حيتس) الصاروخية، التي تُنشر لأول مرة خارج إسرائيل، في خطوة تؤكد – بحسب برلين – أن «أمن ألمانيا على المدى الطويل يرتبط مباشرة بالشراكة الدفاعية مع إسرائيل».

كما أشادت برلين مؤخرًا بدور إسرائيل في تعزيز قدرات ألمانيا ضد الطائرات المسيّرة، وهو ملف تحوّل إلى أولوية منذ الحرب في أوكرانيا واتساع التهديدات الإقليمية.

الترابط الثقافي

فتح قرار السماح لإسرائيل بالمشاركة في مسابقة الأغنية الأوروبية «يوروفيجن» جبهة جديدة من الجدل في أوروبا. ففي حين رحّبت ألمانيا به بحرارة، أعلنت دول أخرى مقاطعة المسابقة، الأمر الذي يعكس الانقسام الأوروبي في التعامل مع الحرب الإسرائيلية وحكومة نتنياهو.

وبحسب شوحط، فإن زيارة ميرتس لنتنياهو – المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية بشبهة ارتكاب جرائم حرب – تمثّل «رسالة خاطئة» في توقيت حساس، إذ قد تظهر كجزء من جهود تطبيع العلاقات مع حكومة تواجه انتقادات دولية واسعة.

بين ضغوط برلين… ونفوذ ترامب

يرى مايكل ريميل من مؤسسة كونراد أديناور أن نتنياهو لديه «توقعات عالية» من زيارة ميرتس، ويأمل في «إشارة دعم قوية» من برلين، خصوصًا بعد أشهر من التوتر.

ومع ذلك، يشكك ريميل في قدرة ألمانيا على التأثير الحقيقي في مسار الحرب أو دفع إسرائيل إلى التزامات واضحة، معتبرًا أن «النفوذ الأكبر اليوم هو للرئيس الأمريكي دونالد ترامب»، الذي أثبت – على حدّ قوله – أنه الطرف الوحيد القادر على الضغط الفعلي على إسرائيل للالتزام بوقف إطلاق النار.

ويسعى المستشار الألماني خلال الزيارة إلى إعادة تأكيد «خاصة العلاقة» مع إسرائيل، ولكن وفق معادلة جديدة: دعم أمني ثابت، وانتقادات سياسية أوضح وأكثر صراحة.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى