البرهان والإخوان.. إنكار رسمي وعودة منظّمة لرجال الظل داخل الجيش

في كل مرة يطل فيها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، تتبدل اللغة لكن تظل العقدة ذاتها:نفيٌ قاطع لوجود الإسلاميين داخل الجيش، في وقت تُعاد فيه الوجوه نفسها – بالاسم والصورة – إلى مفاصل القيادة.
هكذا تتجاور روايتان متناقضتان: «الشعب أسقط الإخوان» و«لا وجود لهم داخل الجيش»، بينما تفيض الوقائع بما يعاكس ذلك تمامًا؛ من إعادة الضباط المُبعَدين، وعودة هيئة العمليات والدفاع الشعبي، إلى صعود كوادر تنظيميّة تشكّل اليوم غرفة القرار العسكري.
ومع رفع سقف الخطاب نحو «حسم عسكري أولاً»، يتحول هذا النفي من رسالة دفاعية إلى محاولة هندسة صورة جديدة للجيش أمام المنطقة والعواصم الغربية، صورة «غير أيديولوجية» يمكن التعامل معها بلا حساسية.
لكن الفجوة بين الخطاب والواقع تتّسع: فالمحللون، والوثائق، وسجلّ التعيينات الميدانية، جميعها تشير إلى استمرار النفوذ الإسلامي داخل المؤسسة العسكرية.
وبين سردية تُبنى للاستهلاك الدولي، وحقائق تتكشّف في الميدان، يجد السودان نفسه أمام أزمة مصداقية لا تقلّ خطورة عن الحرب نفسها.
فماذا قال البرهان؟
في تصريحات صحفية، بثت يوم الخميس، قال عبدالفتاح البرهان إن الادعاءات بوجود عناصر من الإخوان ضمن الجيش أو الحكومة، «غير صحيحة»، مضيفًا: «لا علاقة للإخوان بالجيش أو الحكومة».
وحول مطالب الهدنة، قال البرهان، إن «الحل للحرب في البلاد عسكري بالدرجة الأولى، ومن ثم تأتي الحلول الأخرى»، مؤكدًا أنه «لا هدنة قبل استسلام الدعم السريع وتسليم سلاحها».
تصريحات متناقضة
قال سيبويه يوسف المحلل السياسي السوداني في حديث لـ«العين الإخبارية»، إنه بعد تصنيف الإخوان المسلمين في بعض الدول كمنظمات إرهابية، أصبحت قيادة الجيش تحاول تنكر سلطتها بالتنظيم، رغم أنها تتعامل في الداخل مع قيادات التنظيم.
وأوضح المحلل السياسي السوداني، أن تنظيم الإخوان وكتائبه في الداخل هي من يخوض الحرب في الميدان، مشيرًا إلى أن تصريحات البرهان، «روايات للتضليل».
وأشار إلى أنه بينما ينكر البرهان، وجود الإخوان المسلمين في الجيش، يعلم تماماً أن الانتساب للجيش منذ عام 1990 كان يتم عبر قنوات حزب المؤتمر الوطني الإسلامي ذراع الإخوان السياسية في السودان، ما يعني أن كل الرتب الوسيطة، والعليا، لا يستطيع أن تترقى دون إرضاء الإخوان أنفسهم.
ذلك الأمر يعني أن «الجيش الآن هو مؤسسة كيزانية إسلامية كاملة الدسم»، يقول يوسف، مشيرًا إلى أن «الحديث الذي يعني يتحدث عنه البرهان هو يكذبه الواقع، باعتبار أن الإخوان هم حلفاؤه، ويتولون الآن وزارة الخارجية، ويسيطرون على مقاليد السلطة بعد انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021».
خطر كبير
واعتبر المحلل السياسي السوداني، أن من يدير الدولة الآن هم الإخوان المسلمين بكل تنظيماتهم وبكل تسمياتهم؛ محذرًا من أن هناك خطرًا كبيرًا على مستقبل السودان في وجود مثل هذه المجموعات الإرهابية التي تعمل وتقاتل».
وأشار إلى أنه بينما تحدثت واشنطن بكل قوة عن سعيها لتصنيف هذه الجماعات جماعات إرهابية، يحاول الجيش السوداني الآن تقديم خطاب آخر مغاير، لكن العالم كله يفهم الآن العلاقة العضوية ما بين الجيش وتنظيم الجبهة الإسلامية.
تناقضات أخرى
تناقض آخر شاب خطاب البرهان، ففي وقت سابق كان قد قبل بالرباعية كوسيط، إلا أنه عاد ورفض ذلك، محاولا في الوقت نفسه، تصوير الحرب بأنها حرب الدعم السريع وهو الذي أطلقها وهم الآن يدافعون.
وأشار إلى أن الجيش يحاول نفض عباءة الإخوان، لكونه يعلم أنها بمثابة «حمل ثقيل» يتحمله وحده،
ومن الأسباب يعني التي تؤكد أن الإسلاميين هم الذين يديرون المشهد الآن، إطلاق سراح الذين تطالب بهم المحكمة الجنائية الدولية مثل الرئيس المعزول عمر البشير وأحمد هارون وعبد الرحيم محمد حسين وغيرهم من القوائم الذين كانوا في سجن كوبر، والذين كان تحت سيطرة الجيش.
الأمر نفسه أشار إليه المحلل السياسي السوداني كمال كرار، قائلا في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن تغلغل الإخوان في الجيش السوداني أو اختراقه، موضوع يعود إلى ما قبل انقلاب يونيو/حزيران 1989، مشيرًا إلى أن هذا الاختراق هو سبب نجاح الانقلاب.
وأوضح أنه ما بعد الانقلاب وطوال سنوات النظام البائد والى الآن، فقد تعرض الالاف من الضباط والجنود للإحالة بموجب قوائم يعدها عناصر الحركة الاسلامية المتغلغلين داخل الجيش، مشيرًا إلى أنه حتى الدخول للكلية الحربية كان مرهونا بتزكية من التنظيم الاسلامي أو أحد روافده.
انتهازية الإخوان
وبحسب المحلل السياسي السوداني، فإن تنظيم الإخوان، حاول اللعب على الحبلين، باختيار الشراكة مع قوى الحرية والتغيير، وهي طريقة التنظيم في التعاطي مع المتغيرات السياسية، بمبدأ انتهازي اسمه «الغاية تبرر الوسيلة».
وأشار إلى أن رفض الجيش المطلق للهدن الإنسانية ينطلق أولا من الإخوان، وكأنه توجيه لجماعتهم في الجيش ثم تتبناه القيادة، مؤكدًا أن هامش المناورات بات ضعيفا بعد انزعاج دول إقليمية بما فيها الولايات المتحدة من سيطرة الإخوان.
ورغم نفي الجيش السوداني لوجود الإخوان داخل صفوفه، إلا أن السودانيين والعالم يعرفون الحقائق المؤكدة، يقول كرار، مشيرًا إلى أن تنظيم الإخوان استعاد مواقعه في الدولة والنقابات وتغلغل فيها بقرارات سيادية أو قضائية، ألغي بموجبها قرارات المصادرة وأعيدت ممتلكاتهم، وخرج قادتهم من السجون.
وأشار إلى أن نفي الجيش لن يجدي؛ فهذه الرسائل لن تجد صدى في الخارج أو الداخل؛ لأنها «أسطوانة مشروخة»، على حد قوله.
مفاصل الدولة
وفي السياق نفسه، قال عثمان ميرغني الخبير السياسي السوداني، في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن تنظيم الإخوان كان يحكم عبر حزب المؤتمر الوطني وكانت الدولة خاضعة لهم، إلى أن أطيح بهم في ثورة ديسمبر/كانون الأول.
وبعد أن دخلوا في فترة كمون مؤقتة، عادوا مرة أخرى إلى الواجهة في انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، بحسب الخبير السياسي السوداني، الذي أكد أن «التنظيم يسيطر الآن على القرار السيادي والسياسي والتنفيذي للدولة».
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز




