سياسة نتنياهو لـ«إدارة الصراع» مع حماس تعيد غزة إلى «اليوم السابق»

على مدار عامين، أدت الحرب الإسرائيلية في غزة إلى تغييرات تكتيكية ومعاناة هائلة، لكن الوضع السياسي لا يزال كما هو.
وبعد مماطلة مستمرة، صوتت الحكومة الإسرائيلية مؤخرًا على تشكيل لجنة تحقيق في هجوم حماس على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
واعتبر بعض المنتقدين أن اللجنة ستكون بمثابة عملية تستر، نظرًا لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفض منذ فترة طويلة قبول أي لوم.
ومع ذلك، فقد أقر نتنياهو ضمنيًا بمسؤوليته من خلال استبعاده أكثر من مرة أي عودة إلى الوضع في غزة قبل الحرب وهو الوضع الذي صممه بنفسه وحافظ عليه، وذلك وفقا لما ذكرته مجلة “نيوزويك” الأمريكية التي اعتبرت أن ما سيخلص إليه التحقيق ومدى استقلاليته يبقيان سؤالين مفتوحين.
لكن أجهزة الأمن الإسرائيلية قدّمت بالفعل لوائح اتهام دامغة في تحقيقاتها الداخلية، كما أنها أدانت استراتيجية “إدارة الصراع” التي انتهجتها إسرائيل قبل الحرب في غزة.
كما خلصت أجهزة الأمن إلى أن سياسات إسرائيل تجاه حماس “متناقضة” من حيث اعتبارها “غير شرعية”، في حين لم تبذل أي جهود لتطوير بديل، وكانت النتيجة الاعتماد بشكل مفرط على القوة العسكرية على حساب رؤية سياسية طويلة المدى، أو ما يسمى الآن بخطة “اليوم التالي”.
وبعد عامين من الحرب، التي أزهقت عشرات الآلاف من الأرواح واستنزفت مليارات الدولارات، لا تزال هذه التحذيرات ذات أهمية بالغة بحسب “فورين بوليسي” التي قالت إن حملة إسرائيل المدمرة والمطولة غيرت ميزان القوى داخل غزة لصالحها، فيما يشبه تحريك قطع على رقعة شطرنج أكثر من كونه تغييرا لقواعد اللعبة.
ولا يشبه الوضع الراهن في غزة “النصر الكامل” وتدمير حماس الذي وعد به نتنياهو بل يمثل عودة إلى استراتيجية إسرائيل ما قبل الحرب في إدارة الصراع واحتوائه.
وصمد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس منذ 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لكن أكثر من 300 فلسطيني في غزة وثلاثة جنود إسرائيليين قتلوا منذ ذلك الحين لذا فإن الصراع لم ينته بعد، لأن الظروف التي تجعله دائما لا تزال قائمة.
وقالت “فورين بوليسي” إن كلا الجانبين يريدان تقويض خطة السلام التي وضعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تقدم رؤية أفضل، وإن كانت غامضة لـ”اليوم التالي” لغزة من تلك التي تفضلها حماس ونتنياهو وهو ما دفع المعلقين إلى التحذير من أن الوضع المؤقت المفترض في غزة قد يصبح دائمًا.
لكن ما غاب عن كثير من المحللين هو أن افتراضات إسرائيل وسياساتها الأساسية تجاه غزة لم تتغير إلا قليلاً منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.
ووصف مسؤولون إسرائيليون “الخط الأصفر”، الذي يرسم حدود استمرار احتلال إسرائيل لـ 53% من غزة، بأنه “سور برلين” جديد وهو ما يعني ضمناً أنه لن يكون مؤقتاً على الإطلاق.
ولم تنزع حماس سلاحها وسط مزاعم بأنها تخزن الأسلحة في الخارج وستكون العواقب الإنسانية لهذا الوضع وخيمة، وفي الوقت نفسه لا يوجد حافز يُذكر للاستثمار في منطقة حرب، خاصةً وأن أي إعادة إعمار يمكن إلغاؤها بـ”ضغطة زر”.
وحتى لو قلل وجود قوة استقرار دولية بتفويض من الأمم المتحدة من العنف المتقطع الذي اتسم به الوضع الراهن بعد وقف إطلاق النار، فإن أي مستثمر سيكون حذرا من الاتهامات بأنه يدعم استمرار سيطرة حماس أو إسرائيل على غزة.
وسيعاني الفلسطينيون خارج “سور برلين الإسرائيلي” أكثر من غيرهم، وكجزء من التزاماتها بموجب وقف إطلاق النار الحالي، سمحت إسرائيل باستئناف تسليم المساعدات داخل غزة، مع إبقاء الكمية التي تصل إلى الأراضي التي تسيطر عليها حماس عند الحد الأدنى.
هذا هو نفس المنطق الذي استند إليه حصار غزة، والذي حرصت فيه إسرائيل على حصار شامل للقطاع بأكمله بعد استيلاء حماس عليه عام 2007 .
وفي عام 2019، تصدى نتنياهو لانتقادات زملائه اليمينيين بسبب دعمه المستمر للسماح لحماس بحكم غزة، مدعيًا أن “كل من يريد إحباط قيام دولة فلسطينية عليه أن يدعم حماس” لأن استمرار سيطرة الحركة على القطاع أبقى الفلسطينيين منقسمين وعرقل مساعيهم لإقامة دولة.
ووفقا لـ”فورين بوليسي”، فإن إسرائيل اليوم وبمباركة من المجتمع الدولي تعيد سكان غزة إلى حماس التي كان هدفها طوال الحرب الحفاظ على احتكارها لسكان غزة ومنع ظهور أي مركز قوة بديل.
وعلى مدار العامين الماضيين، زعم نتنياهو دائما أن بقاء حماس في السلطة سيتجاوز الخط الأحمر الإسرائيلي ومع ذلك، يبدو الآن أنه يقبل هذه النتيجة حيث بذلت حكومته كل ما في وسعها لمنع عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة.
وقد يكون الاختلاف بين الوضع قبل الحرب وبعدها هو توسع الاحتلال الإسرائيلي على معظم أنحاء غزة، حيث تسيطر إسرائيل الآن بشكل مباشر على جميع حدود غزة والأراضي المجاورة لها داخل القطاع.
وكثيراً ما جادل المسؤولون الإسرائيليون بأن السيطرة الدائمة لبلادهم على منطقة عازلة داخل غزة هي السبيل الوحيد لمنع تكرار هجمات 7 أكتوبر، لكن الحقيقة هي أن إسرائيل كان لديها بالفعل منطقة عازلة صباح يوم الهجوم.
لسنوات، فرض الجيش الإسرائيلي من جانب واحد “منطقة محظورة” وصلت إلى عمق كيلومتر واحد داخل غزة وتركت ذلك الجزء من القطاع خالياً من السكان واليوم، أصبحت المنطقة العازلة الإسرائيلية أكبر بكثير، لكن النموذج لا يزال كما هو.
لقد غيرت حرب غزة بالتأكيد ميزان القوى في القطاع لصالح إسرائيل عسكرياً حيث قتل معظم قادة حماس واستنفدت الحركة مخزوناتها من الذخيرة، وأصبح أكثر من نصف أراضي غزة خارج سيطرتها وهو ما يجعل من شبه المستحيل شن هجوم جديد.
وخلال الحرب، كان بعض صانعي السياسات الإسرائيليين يأملون في تغيير قواعد اللعبة بسياسات لم تكن واردة سابقًا، بما في ذلك طرد سكان القطاع لكن الضغط الدولي جعل هذا مستحيلًا وهو ما يجعل المخططون الإسرائيليون يعتقدون أنهم يستطيعون الحفاظ على الوضع الراهن إلى أجل غير مسمى، وبالتالي تأجيل مشكلة غزة مرة أخرى دون الحاجة إلى حل نهائي.
أخيرا، فإنه مع تحول وقف إطلاق النار بشكل متزايد إلى الوضع الطبيعي الجديد في غزة، تبدو سياسات إسرائيل تجاه القطاع أقرب إلى “اليوم السابق” وليس “اليوم التالي”.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز




