النحاس.. «الذهب الأحمر» في قلب السباق العالمي للطاقة والذكاء الاصطناعي

يتصاعد السباق الدولي لتأمين إمدادات النحاس في ظل الطلب المتزايد على هذا المعدن الحيوي. فقد أصبح النحاس أحد الأعمدة الأساسية في طفرة الذكاء الاصطناعي والتحول الأخضر.
وتعتمد المشروعات المرتبطة بالبنية التحتية للطاقة المتجددة، ومراكز البيانات الضخمة، إضافة إلى شبكات الكهرباء الحديثة، على كميات ضخمة منه، في وقت تتراجع فيه إنتاجية المناجم التقليدية وتزداد صعوبة اكتشاف رواسب جديدة.
وروى تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز قصة مشروع «ريزوليوشن كوبر» في ولاية أريزونا الأمريكية باعتباره أحد أكثر المشاريع طموحًا وإثارة للجدل. فقد أنفقت الشركة المالكة مليارات الدولارات خلال العقدين الماضيين لتطوير واحد من أكبر رواسب النحاس غير المستغلة عالميًا، والذي يقع على عمق يزيد على كيلومترين.
غير أن المشروع يواجه اعتراضات سياسية وقضائية من بعض قبائل السكان الأصليين، التي تعتبر الموقع أرضًا مقدسة لا يجوز المساس بها. ورغم حصول المشروع على ضوء أخضر جزئي من المحكمة العليا، لا تزال الإجراءات معلقة أمام محكمة فيدرالية قد تحدد مصيره في العام المقبل.
ورغم الجدل المجتمعي، تراهن الشركات الكبرى، وعلى رأسها «بي إتش بي» و«ريو تينتو»، على أن المشروع قد يغطي ما يصل إلى ربع احتياجات الولايات المتحدة من النحاس لعقود طويلة.
ويأتي ذلك في وقت تشير فيه تقديرات مؤسسات بحثية دولية إلى أن الطلب العالمي سيقفز بوتيرة غير مسبوقة بسبب توسع مراكز البيانات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، التي تستهلك ما بين 27 و33 طنًا من النحاس لكل ميغاواط من الطاقة. كما يتوقع أن تنمو الاحتياجات العسكرية للمعدن في ظل موجات إعادة التسلح العالمية.
لكن هذه الطفرة في الطلب تتناقض مع واقع الإنتاج، إذ باتت المناجم الكبرى في تشيلي والبيرو والولايات المتحدة أكثر قدمًا وأقل غزارة، بينما تواجه عمليات الاستخراج مخاطر بيئية وتكاليف تشغيلية مرتفعة.
وفي السنوات الأخيرة، أدت حوادث كبرى في مواقع الإنتاج العالمية إلى توقفات مفاجئة زادت الضغط على السوق. ويشير محللون إلى أن الإنتاج المتوقع من المناجم الحالية والمخطط لها لن يغطي سوى نحو 70% من الطلب بحلول عام 2035، ما يعني عجزًا بنيويًا طويل الأمد.
وانعكس هذا التوتر بين العرض والطلب على الأسعار، التي بلغت مستويات قياسية متتالية، متجاوزة 11 ألف دولار للطن. ويعتبر بعض الخبراء النحاس «الذهب الجديد»، في ظل استعداد المستثمرين لتحمل تقلبات الأسعار وتمويل مشاريع أكثر كلفة أو التوسع في إعادة التدوير، بما في ذلك استخراج النحاس من مخلفات التعدين القديمة.
في المقابل، تستمر الصين في تعزيز قبضتها على مراحل التكرير، إذ تهيمن على نحو نصف طاقة صهر النحاس عالميًا، رغم أنها ليست أكبر منتج للمعدن الخام.
كما تبقى المستهلك الأكبر عالميًا، ما يمنحها نفوذًا واسعًا في رسم اتجاهات السوق. وفي حين تسعى الولايات المتحدة وأوروبا إلى بناء سلاسل توريد بديلة تقلل الاعتماد على بكين، تبقى هذه الجهود بطيئة ومكلفة، خاصة في ظل المعارضة المجتمعية لإنشاء مناجم ومصاهر جديدة.
وتكمن المفارقة في أن العالم بات يحتاج إلى كميات ضخمة من النحاس لتسريع انتقاله نحو الطاقة النظيفة، لكن استخراج المعدن ذاته يواجه تحديات بيئية وتكنولوجية ومجتمعية معقدة.
وبينما تستعد الأسواق لدخول مرحلة «العجز الهيكلي» خلال السنوات المقبلة، يزداد الاعتقاد بأن الدول والشركات التي تمتلك مخزونات كبيرة أو قدرات معالجة محلية ستكون الأكثر قدرة على التأثير في مستقبل هذا القطاع الحيوي.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز




