الأمم المتحدة.. انتخابات حاسمة وواشنطن تبحث عن دورها المفقود

لم يكن مستقبل العلاقة بين الولايات المتحدة والأمم المتحدة، وكذلك المنظمات التابعة لها، أكثر غموضًا مما هو عليه اليوم.
ففي فبراير/ شباط الماضي، أطلق الرئيس دونالد ترامب مراجعة شاملة لكل المنظمات الدولية لتحديد ما إذا كان على الولايات المتحدة الاستمرار في المشاركة فيها ودعمها، وإلى أي حدّ، وفقا لمجلة “ناشيونال إنترست”.
لكن مع استمرار هذه المراجعة دون حسم، تخاطر الإدارة الأمريكية بفقدان النفوذ والتركيز في الوقت نفسه على الانتخابات التي ستحدد اتجاه الأمم المتحدة.
وفي غياب رؤية واضحة، قد تجد الإدارة الأمريكية نفسها منشغلة باستحقاقات انتخابية مصيرية دون امتلاك استراتيجية محددة لتعظيم مكاسبها.
معركة المنصب الأهم
يبرز اختيار الأمين العام المقبل للأمم المتحدة لعام 2026 باعتباره أهم هذه الاستحقاقات، إذ يشكل المنصب رأس الهرم الإداري داخل المنظمة. وقد أكد ترامب في خطابه أمام الجمعية العامة أن الأمم المتحدة تقف عند «مفترق طرق»، فيما أقر الأمين العام الحالي أنطونيو غوتيريش بضرورة تسريع وتيرة الإصلاح من خلال أجندته “الأمم المتحدة 80”.
لكن نجاح أو فشل هذه الإصلاحات مرتبط بشخصية خليفته، الذي يجب أن يحصل على توصية من مجلس الأمن بدعم تسعة أعضاء على الأقل ومن دون اعتراض الدول الخمس دائمة العضوية، قبل أن يصادق عليه أعضاء الجمعية العامة. وهذا يمنح واشنطن قوة فيتو مؤثرة، ما يجعل اختيار المرشح القادم خطوة حاسمة يجب أن تتعامل معها الإدارة الأمريكية بجدية لضمان توافقه مع أولوياتها الإصلاحية.
ليسوا بالضرورة حلفاء
التقاليد غير المكتوبة تقضي بأن يكون الدور هذه المرة من نصيب أمريكا اللاتينية. لكن معظم الأسماء المطروحة لا يُتوقع أن تكون متوافقة مع الرؤية الأمريكية، سواء بسبب ميلها لتوسيع دور الأمم المتحدة أو ضعف سجلها التنفيذي.
من بين أبرز الأسماء المطروحة تأتي الرئيسة التشيلية السابقة ميشيل باشليه، التي تعرضت لانتقادات واسعة بسبب تأجيلها نشر تقرير يدين الصين خلال فترة عملها مفوضة سامية لحقوق الإنسان، إضافة إلى ريبيكا غرينسبان من كوستاريكا، التي أمضت نحو 25 عامًا متنقلة بين مناصب داخل منظومة الأمم المتحدة، ما أثار تساؤلات حول رغبتها في تنفيذ إصلاحات جذرية.
أما رئيسة وزراء بربادوس ميا موتلي، فهي معروفة بمواقفها الداعمة لقضايا المناخ وزيادة التمويل التنموي، وهي توجهات تتصادم مع أجندة إدارة ترامب. ويبرز كذلك الأرجنتيني رافاييل غروسي، الذي قد يواجه فيتو روسيًا أو صينيًا بسبب مواقفه من الملف النووي الإيراني والعملية الروسية لأوكرانيا.
ورغم ما يمنحه التدوير الجغرافي من الأولوية لأمريكا اللاتينية، لا يخلو السباق من أسماء خارج المنطقة، مثل رئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة جاسيندا أرديرن، التي اكتسبت شهرة واسعة خلال جائحة كورونا لكنها استقالت لاحقًا قائلة إنها لم تعد تمتلك «الطاقة الكافية»، ما يثير أسئلة حول قدرتها على تحمّل ضغوط المنصب الأممي.
كما طُرح اسم نائبة الأمين العام أمينة محمد من نيجيريا، وهي شخصية بارزة في صياغة أهداف التنمية المستدامة، وهي أجندة يعارضها فريق ترامب. ورغم ذلك، لا يبدو أن أيًا من هؤلاء يمتلك ميزة حاسمة، كما يمكن لأي منهم أن يصطدم باعتراض دول دائمة العضوية.
استحقاقات أخرى
ولا تقتصر الاستحقاقات المهمة على منصب الأمين العام، إذ تستعد منظمات أممية عدة لانتخابات تجديد ولايات مسؤوليها، بينهم دورين بوغدان-مارتن في الاتحاد الدولي للاتصالات، ودارين تانغ في المنظمة العالمية للملكية الفكرية، وألفارو لاريو في الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، وفرناندو أرياس في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
ورغم انسحاب واشنطن من بعض هذه الوكالات خلال التسعينيات احتجاجًا على ارتفاع التكلفة وضعف الفاعلية، لكن هذا النموذج ليس مناسبًا دائمًا. ففي حالات معينة، يجب على الولايات المتحدة دعم مرشحيها كما فعلت مع بوغدان-مارتن في الاتحاد الدولي للاتصالات، أو كما فعلت عام 2020 عندما حالت دون فوز مرشح صيني بقيادة المنظمة العالمية للملكية الفكرية.
وفي هذا السياق، تملك الولايات المتحدة مصلحة مباشرة في اختيار المدير التنفيذي الجديد للصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا باعتبارها أكبر ممول تاريخي له، كما ستتابع عن كثب انتخابات المنظمة البحرية الدولية بعد الخلاف العلني الذي وقع معها في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي حول «إطار العمل نحو الحياد الصفري المناخي».

في المقابل، قد ترى واشنطن ضرورة التصدي لبعض الترشيحات، وعلى رأسها المفوض السامي الحالي لحقوق الإنسان فولكر تورك، الذي سبق أن وجه انتقادات لإسرائيل، وعارض العقوبات الأمريكية على المحكمة الجنائية الدولية، وهاجم سياسات إدارة ترامب بشأن الهجرة والتنوع.
وقد أعلنت الولايات المتحدة بالفعل نيتها الانسحاب من مجلس حقوق الإنسان، ووقف التمويل، ومقاطعة آلية المراجعة الدورية الشاملة – وهي مؤسسات يدعمها مكتب المفوض السامي – ما يجعل تجديد ولاية تورك خطوة قد تقوّض أي محاولة لإعادة تقييم هذا القرار مستقبلًا.
ومع اقتراب الأربعة عشر شهرًا المقبلة التي ستشهد سلسلة من الانتخابات والتعيينات الحساسة، تجد الولايات المتحدة نفسها أمام لحظة مفصلية تتطلب وضوحًا وتحديدًا دقيقًا للأولويات قبل الانخراط في هذه المعارك الدبلوماسية.
فإذا قررت إدارة ترامب الاستمرار في التعامل مع منظومة الأمم المتحدة، فعليها أن ترسم خطوطًا واضحة تقوم على الإصلاح، ورفع مستوى الفاعلية، وضبط الإنفاق.
فالأمم المتحدة بحاجة دائمة إلى تذكير بأن الولايات المتحدة – بوصفها إحدى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وأحد أكبر الممولين – ليست شريكًا يمكن تجاهل مصالحه دون تبعات واضحة.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=
جزيرة ام اند امز




