اسعار واسواق

من «الصحراء» إلى «حرب الإمداد».. «القاعدة» يغير تكتيكه في مالي


في غرب أفريقيا، تتشكل ملامح صراع مختلف، تستخدم فيه جماعات الإرهاب الأزمات سلاحًا، والجوع حصارًا، والاقتصاد جبهةً موازية للمدافع.

وفي مالي تحديدا، لم تعد المعركة تُخاض في عمق الصحراء ولا على تخوم الحدود، بل على الطرق التي تحمل الحياة نفسها، فتنظيم «القاعدة» غيّر تكتيكه، وانتقل من استهداف المواقع العسكرية إلى ضرب شرايين الإمداد التي تغذي المدن والقرى، محولًا الوقود والغذاء والكهرباء إلى أدوات حرب جديدة.

تلك الخطوة التي عدها دبلوماسيون وخبراء تحدثت إليهم «العين الإخبارية» بمثابة تحول استراتيجي يرسم ملامح جديدة لمرحلة ما بعد المواجهة التقليدية في منطقة الساحل، وهو ما يظهر بوضوح في تكثيف الهجمات على محاور التجارة والطرق الحيوية التي تربط الداخل بالموانئ الساحلية.

تحول استراتيجي في مسرح العنف

السفير الفرنسي السابق في منطقة الساحل، نيكولا نورماند، قال في حديث لـ«العين الإخبارية» إن المنطقة تدخل مرحلة «انتشار وتكثيف» للهجمات، حيث تتكامل الأبعاد الميدانية مع أهداف سياسية واقتصادية أوسع، مشيرًا إلى أن الجماعات المسلحة تسعى إلى إضعاف شرعية الدولة ودفعها إلى مفاوضات بشروطها.

وأضاف نورماند أن الحلول العسكرية وحدها لم تعد كافية، وأن المخرج الحقيقي يكمن في مقاربة شاملة تجمع بين تعزيز قدرات الدولة في حماية خطوط الإمداد، وتفعيل التعاون الإقليمي بين دول الساحل والغرب الأفريقي، وقطع مصادر التمويل عن الجماعات، مع إطلاق استثمارات عاجلة في بدائل لوجستية وخدمات أساسية لتخفيف أثر الحصار على السكان المدنيين.

كايس.. مركز الاختناق الاقتصادي

أما مدير معهد تيمبوكتو للدراسات الأفريقية، باكاري سامبيه، فيوضح لـ«العين الإخبارية»، أن منطقة كايس الواقعة غرب مالي تحولت إلى هدف استراتيجي لجماعة «جند الإسلام والمسلمين» (جنيم)، بسبب موقعها الجغرافي الحيوي الذي يربط بين طريق داكار–باماكو، وهو ما وصفه بأنه «شريان الإمداد الرئيسي»، مضيفًا أن شلّ هذا المحور يعادل خنق الاقتصاد المالي بأكمله.

واستند سامبيه إلى بيانات «مشروع بيانات مواقع وأحداث النزاع المسلح» (ACLED)، التي رصدت تضاعف هجمات الجماعة تقريبًا بين عامي 2024 و2025، إذ سُجّلت 124 عملية في 2024 مقابل 241 حتى 17 أكتوبر/تشرين الأول 2025.

وأوضح أن هذا التصعيد يعكس انتقال الجماعة من عمليات تمركز محلية إلى حملة منسقة واسعة النطاق تستهدف نقاط عبور ومقار لوجستية وإدارية وحتى مواقع عسكرية في جنوب وغرب مالي.

من التفجير إلى الدعاية

وفي السياق ذاته، قال الباحث الفرنسي جان-هيرف جيزِكِل، المسؤول عن مشروع الساحل في مجموعة الأزمات الدولية، إن التحول لا يقتصر على الكم بل يمتد إلى طبيعة الأهداف. فبحسب قوله، باتت الجماعات «تستهدف البنية الاقتصادية واللوجستية مباشرة بهدف خلق أزمة معيشية تضرب عمق المجتمعات، من الوقود إلى الكهرباء والنقل».

وأضاف لـ«العين الإخبارية»، أن الهجمات على قوافل المشتقات النفطية تحوّلت إلى عروض دعائية، إذ تُفجّر الشاحنات لتصوير المشهد ثم يُستولى على البقية، كما تتعمد الجماعات قطع الكهرباء وإطفاء شبكات التوزيع في مناطق مثل موجتي، ما أدى إلى انقطاع التيار وتعطيل الدراسة وإغلاق المدارس والجامعات مؤقتًا بسبب عجز النقل وتهديد أمن الرحلات المدرسية.

الحاجة إلى مقاربة جماعية

يشدد الخبراء على أن مواجهة هذا النوع من التهديدات تتطلب شراكة إقليمية جديدة، تعالج ليس فقط الأمن العسكري، بل أيضًا الاقتصاد المحلي والبنية التحتية، إذ يرى نورماند أن «التعامل مع أزمة الساحل يجب أن يتجاوز منطق الرد بالنار، ليشمل مشاريع تعيد الثقة بالدولة وتحمي المجتمع من الوقوع في فخ العنف».

أما سامبيه، فاختتم حديثه بالتأكيد على أن الاقتصاد هو خط الدفاع الأول: «حين تملك الدولة القدرة على إيصال الوقود والغذاء والخدمات، تفقد الجماعات سلاحها الأخطر.. وهو التجويع».

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى