الحوثي «ينسف» ميزان العدالة.. تعيينات «مؤدلجة» و«إعادة هندسة» القضاء

شكا مراقبون ونشطاء مما قالوا إنه محاولة حوثية لـ”تسييس واختطاف المؤسسات القضائية، واستغلالها كعصا غليظة لملاحقة الخصوم”.
وأصدرت هيئة التفتيش القضائي التابعة لمجلس القضاء الأعلى في صنعاء، الخاضعة للحوثيين، فرمانًا جديدًا يقضي بتوزيع خريجي دورة تأهيلية لما يسمى “علماء الشريعة” للتدريب في عدد من المحاكم تمهيدًا لتعيينهم في السلك القضائي.
وتضمَّن الفرمان إحلال أكثر من 83 خريجًا من دورات تدريبية من خلفيات فكرية ودينية مذهبية محددة، تمهيدًا لاستبدال القضاة المهنيين من خريجي المعهد العالي للقضاء، وهي مؤسسة علمية وقضائية حكومية عليا تتمتع بشخصية اعتبارية وذمة مالية مستقلة.
توقيت الإحلال
ويأتي إحلال أكثر من 83 خريجًا من دورات تدريبية حوثية في القضاء عقب مرور عام على تمرير المليشيات ما سمّي “مشروع تعديل قانون السلطة القضائية” عبر مجلس النواب غير المعترف به في صنعاء، والذي وصفه مراقبون بأنه “انفصال قضائي بطابع سياسي وطائفي يشبه ما عُرف بإصلاحات نظام القضاء في إيران”.
كما يأتي عقب تمرير المليشيات عدة تعديلات، منها عام 2021، وتحديدًا ما يسمى “تسريع إجراءات التقاضي”، واعتماد تحقيقات الشرطة لدى المحكمة دون إعادة تحقيق النيابات، وهي فرمانات حوّلت المحاكم إلى “محاكم عسكرية ومحاكم طوارئ”، وفقًا لقضاة ومحامين.
ومنذ الانقلاب الحوثي أواخر عام 2014، حاولت مليشيات الحوثي التوغّل في جميع مفاصل القضاء من الأعلى إلى الأدنى، لكن ذلك قوبل بمعارضة كشفت صراعا بين قادة التنظيم في صعدة وصنعاء، فضلًا عن سباق أذرع عائلة الحوثي نفسها؛ “عبدالملك” وعمه “عبدالكريم” ونجل ابن عمه “محمد علي” على السيطرة على السلطة.
لكن منذ العام الماضي، استطاع زعيم المليشيات السيطرة كليًا على القضاء بعد أن أمسك بـ”المحكمة الجزائية المتخصصة” وفروعها في مناطق الانقلاب، فيما أبقى نجل عمه “محمد علي الحوثي” على ما يسمى “المنظومة العدلية”، بينما شيّد عمه “عبدالكريم الحوثي” ذراعه الخاصة تحت مسمى “الشرطة القضائية” في عام 2021.
إعادة هندسة
ويرى قضاة ومحامون وحقوقيون أن “توزيع الحوثي خريجي دورات تأهيلية لما يسمى علماء الشريعة على عدد من المحاكم تمهيدًا لتعيينهم في السلك القضائي” يعدّ مذبحة بحق القضاة الحقيقيين.
وبحسب وكيل وزارة العدل اليمنية، فيصل المجيدي، فإن فرمان مليشيات الحوثي الجديد يكشف أن القضاء في مناطق الانقلابيين لم يعد “قضاءً ولا قانونًا”، وإنما “منظومة دينية طائفية يديرها معمّمون يسمّون أنفسهم علماء، بينما في الواقع يجهلون القانون”.
ويرى المجيدي أن هذا “العبث الحوثي” يأتي بعد أن “أجرت المليشيات سلسلة تغييرات هيكلية شطرية في عمق الجهاز القضائي، منها استبدال أعضاء مجلس القضاء الأعلى بعناصر عقائدية، والإطاحة بقضاة من المحكمة العليا وهيئة التفتيش القضائي والنيابة العامة، واستجلاب حراس من العقائديين”.
وفي السياق، قال المركز الأمريكي للعدالة (ACJ)، وهو منظمة غير حكومية، في بيان، إن إحلال مليشيات الحوثي 83 اسمًا في كشف قضائي جديد يمهّد “لتعيينات أيديولوجية داخل المحاكم الخاضعة للجماعة المدعومة من إيران”.
واعتبر البيان أن الفرمان الحوثي “يرسّخ نمطًا ممنهجًا لتقويض الحياد القضائي وتحويل المحاكم إلى ساحة تدريب عقائدي تحت غطاء “التأهيل المهني”، مشيرًا إلى أن ذلك يعكس “استمرار الحوثي في تسييس القضاء واختطافه من مساره المهني المستقل، وتحويله إلى أداة طائفية تخدم مشروع الجماعة بعيدًا عن معايير العدالة والنزاهة وسيادة القانون”.
وأكد أن “قيام هيئة التفتيش القضائي بتوزيع خريجين يحملون تكوينًا شرعيًا لا قضائيًا على المحاكم بغرض التدريب تمهيدًا للتعيين، لا يعدّ مجرد خطأ إداري، بل يمثل إعادة هندسة ممنهجة للبنية القضائية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وإقحام عناصر مؤدلجة في صميم مؤسسة يُفترض أن تكون محايدة ومستقلة”.
كما يقوّض ذلك “مبدأ الفصل بين السلطات وينتهك جوهر استقلال القضاء الذي كفله الدستور اليمني وقانون السلطة القضائية والمواثيق الدولية، ولا سيما مبادئ الأمم المتحدة الأساسية”.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز




