أمن الطاقة والاستدامة.. هل يمكن للعالم أن يحقق المعادلة الصعبة؟

في عالم اليوم أضحى تعريف أمن الطاقة أكثر اتساعا، إذ لم يعد يقتصر فقط على استقرار الإمدادات، بل أصبح يشمل توازناً دقيقاً بين الاعتمادية، والاستدامة، والقدرة على الاستمرار والتحمل.
ومع انطلاق فعاليات معرض ومؤتمر “أديبك 2025” في العاصمة الإماراتية أبوظبي، يحتشد العشرات من كبار القادة في قطاع الطاقة، من القطاعين الحكومي والخاص، بغية تصميم أنظمة ذكية قادرة على تحمل الصدمات مع توصيل الطاقة بكفاءة أكبر، مع انبعاثات كربونية أقل، وبتكلفة قابلة للإدارة.
على مدار أيام الحدث الأربعة، تتجلى الإرادة الإماراتية الطموحة، لرسم مسار عملي وواقعي يعبر بالعالم من تحدي المعادلة الصعبة التي تتطلب المزج بين أمن الطاقة دون التخلي عن متطلبات المناخ ووسائل الاستدامة.
وتتضمن فعاليات أديبك جلسات وندوات ونقاشات متعددة حول الاستدامة وضرورة تحقيقها بأساليب مسؤولة، تضمن تدفق الطاقة لتعزيز ازدهار العالم في جميع القطاعات.
ويخصص أديبك ضمن برامجه العشرة الاستراتيجية، برنامجا خاصا لاستكشاف استراتيجيات عملية لتقليل الانبعاثات مع دفع عجلة الابتكار، وتعزيز المرونة، وتحقيق التنافسية في قطاع الطاقة المعقد اليوم.
وفي حفل افتتاح الدورة الحادية والأربعين من معرض ومؤتمر “أديبك”، دعا الدكتور سلطان أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لـ “أدنوك” ومجموعة شركاتها، ضمن الكلمة الرئيسية التي ألقاها اليوم الإثنين، القيادات وصناع السياسات العالميين والمستثمرين في قطاع الطاقة إلى تطبيق نموذج عمل دولة الإمارات الذي يركز على صياغة سياسات عمليّة وبناء شراكات طموحة لخلق المزيد من فرص العمل وتعزيز النمو الاقتصادي والاجتماعي والتنافسية العالمية.
وأوضح، أن نهج دولة الإمارات العملي يؤكد أن التشريعات واللوائح الواقعية والعملية تبني وتعزز ثقة المستثمرين، وأنه يُعد نموذجاً للسياسات الموثوقة القائمة على التكنولوجيا والمحفِّزة للاستثمار.
وأكد أن دولة الإمارات تطبق نهجاً واقعياً، يدعم ضمان أمن الطاقة وتنويع مصادرها، وجذب رأس المال، وتعزيز التقدم التكنولوجي، وتبنّى حلول وسياسات عملية بالتنسيق مع قطاع الطاقة، مشيرا إلى أن هذا هو السبب وراء استمرار تدفق رأس المال العالمي إلى هنا، لأن المستثمرين يقدِّرون المصداقية والاستقرار والثقة، وهذه من نقاط قوتنا هنا في أبوظبي، وفي جميع أنحاء دولة الإمارات.
وأوضح الجابر أن الدرس المُستفاد من النموذج الإماراتي لقطاع الطاقة هو أن السياسات واللوائح يجب أن تركز على المتطلبات الواقعية والفعلية، وليس على الأداء، ويجب أن تستند إلى الرؤى، وليس إلى الأفكار الأيديولوجية، ويجب أن تكون مبنية على الحقائق الدائمة، وليس على التوجهات المؤقتة والعابرة، لأن السياسات التنظيمية البعيدة عن الواقعية والمنطق ستؤدي إلى إضعاف الاقتصادات، وإعاقة تقدم المجتمعات، وإبعاد رؤوس الأموال.
وقال إنه لا يمكن تلبية متطلبات نمو اقتصادات المستقبل بالاعتماد على شبكات كهرباء قائمة على بنية تحتية من الماضي، كما سلّط الضوء على العوامل الرئيسة التي تحرك الطلب حتى عام 2040. وأضاف سيستمر الطلب على الكهرباء في الارتفاع حتى عام 2040، وذلك بسبب زيادة حاجة مراكز البيانات إلى الكهرباء بأربعة أضعاف، وانتقال 1.5 مليار شخص إلى المدن، وتشغيل أكثر من مليارَي مكيف هواء إضافي.
وأكد أن قطاع الطيران، سيزدهر مع تضاعف عدد أسطول شركات الطيران العالمية من 25,000 إلى 50,000 طائرة، مشيرا إلى أنه نتيجةً لذلك، سيزيد إنتاج الطاقة المتجددة بأكثر من الضعف بحلول عام 2040، وسينمو الغاز الطبيعي المسال بنسبة 50%، ووقود الطائرات بأكثر من 30%.
وسيستمر إنتاج النفط فوق مستوى 100 مليون برميل يومياً لما بعد عام 2040، كما سيزداد استخدامه بشكل أكبر في تصنيع العديد من المواد وكذلك في التنقل، مشيرا إلى أنه في ضوء كل هذه الحقائق، من الواضح أن الموضوع أكثرُ تعقيداً من الانتقال إلى نوع واحد من مصادر الطاقة، وإن العالم بحاجة إلى تعزيز مصادر الطاقة، وليس استبدال مصدر بآخر.
مزيج متنوع وذكي
يتطلب تحقيق المعادلة الصعبة بين أمن الطاقة والاستدامة، مزيجاً أكثر ذكاءً وتنويعاً للطاقة، يجمع بين الوقود التقليدي، والطاقات المتجددة، والنووية، والتقنيات منخفضة الكربون، والابتكارات الرقمية.
ومن الأهمية بمكان أيضاً تعزيز سلاسل التوريد، وتطوير استراتيجيات الوطنية، والاستفادة من الغاز الطبيعي كجسر مرن منخفض الكربون.
وفي عالم متزايد التقلب وفي ظل تعقيد الجغرافيا السياسية، يمثل التعاون الإقليمي والبنية التحتية القابلة للتكيف أمران أساسيان لضمان الاستقرار والمرونة طويلة المدى في قطاع الطاقة.
أسواق الطاقة.. رحلة إعادة التشكيل بدأت بالفعل
تشهد أسواق الطاقة إعادة رسم وتشكيل بفعل التقلب، وتغير ديناميكيات القوة بسرعة.
فمع ارتفاع الطلب العالمي – المدفوع بالذكاء الاصطناعي والاقتصادات الناشئة – لم تعد المرونة خياراً، بل أصبحت ضرورة استراتيجية.
فالشركات الأكثر تنافسية ستكون تلك التي تدمج المرونة في نماذج أعمالها، وتستثمر رأس المال بكفاءة، وتقدم طاقة موثوقة منخفضة الانبعاثات، وتسرع الابتكار.
ووسط عدم الاستقرار الجيوسياسي، وتغير السياسات الطاقية، وعودة الرسوم الجمركية، يصبح الانضباط التشغيلي والتفكير على مستوى النظام أموراً حاسمة.
والتعامل مع هذه التعقيدات يتطلب أكثر من الصمود؛ فهو يتطلب استراتيجيات ذكية تعزز الإنتاجية، وتضمن الاعتمادية، وتضع الطاقة كعامل استقرار في عالم متشظٍ.
وهذه التحولات تعيد تشكيل تدفقات التجارة، وقرارات الاستثمار، واستراتيجيات سلاسل التوريد، مما يفرض على الشركات الاستجابة بمرونة وبصيرة مستقبلية.
مفتاح التنمية الاقتصادية
وتعد الطاقة هي القوة الدافعة للفرص والشمول والتغيير العملي عبر التقدم الاجتماعي والاقتصادي العالمي.
والوصول إلى طاقة موثوقة، وميسورة التكلفة، وفعّالة – وخاصة الكهرباء – له تأثير كبير على التنمية الاقتصادية ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بمعدلات نمو اقتصادي أعلى وتحسين مستويات المعيشة.
إلى جانب الأولوية العالمية لضمان حصول الجميع على الطاقة الموثوقة، تقع على عاتق الحكومات والقادة مسؤولية عاجلة مماثلة تتمثل في تلبية الطلب المتزايد بسرعة على الطاقة، الذي يقوده الارتفاع غير المسبوق في الذكاء الاصطناعي، والتوسع العمراني السريع، وزيادة النشاط الصناعي.
وبالإضافة إلى أجندات الاستدامة العالمية، يجب على صانعي السياسات تبني نهج شامل وعملي يشمل مصادر الطاقة التقليدية والناشئة، بما يتوافق مع المزايا والتحديات الوطنية والإقليمية للطاقة.
ويستلزم ذلك إقامة حوار قائم على الحلول يوازن بين أمن الطاقة والاستدامة والواقعية الطاقية، بما يعزز الازدهار العالمي المشترك ويدعم الشراكات بين القطاعات لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة في العالم بأكثر الطرق فعالية من حيث التكلفة وتقليل الانبعاثات الكربونية.
أرقام على طريق الاستدامة
في يناير/ كانون الثاني الماضي الماضي، قدم المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، تشريحا لوضع الاستدامة الحالي في قطاع الطاقة.
وأشار إلى أنه رغم النمو القياسي في الطاقة المتجددة عالميا، ما زال الوقود الأحفوري يمثل 81.5% من استهلاك الطاقة الأولية عالميًا.
وخلال فعاليات المنتدى كشفت كاثرين جاو هايتشون التي تقود شركة Trina Solar لتصنيع الألواح الشمسية، عن أن تكلفة الطاقة الشمسية انخفضت من 30 سنتًا لكل كيلوواط/ساعة إلى 3 سنتات فقط، وفي بعض مشاريع الشركة في الشرق الأوسط بلغت تكلفة الطاقة 1 سنت لكل كيلوواط/ساعة، وهو “أدنى سعر للطاقة في تاريخ البشرية”.
وقالت: “مع هذا الأساس الاقتصادي، يُعاد ضبط المنطق بالكامل للتحول الطاقي”. لكن الحل لا يقتصر على تركيب المزيد من الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، بل يحتاج العالم إلى “ثورة في البنية التحتية”، مشابهة لتلك التي أسست للاتصال بالإنترنت.
وهذا يتطلب الاستثمار في الشبكات الذكية واللامركزية، واستخدام الذكاء الاصطناعي لموازنة العرض والطلب المتقلب، إضافة إلى تخزين أكبر للطاقة لجعل الطاقة المتجددة أكثر استقرارًا وموثوقية.
وقال فاتح بيرول، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية: “التحول الطاقي ليس منافسًا لأمن الطاقة”. وأشار إلى اتجاهات إيجابية: حيث بلغ الاستثمار في تقنيات الطاقة النظيفة أكثر من 2 تريليون دولار في 2024، أي ضعف ما استثمر في الفحم والغاز والنفط.
فيما أصبحت الطاقة الشمسية أرخص وسيلة لتوليد الكهرباء في 90% من العالم، وانخفضت تكلفة البطاريات 20% في 2024.
لكن التحدي الرئيسي هو أن 85% من 3 تريليونات دولار التي تُستثمر في الطاقة تذهب للاقتصادات المتقدمة والصين، بينما تُخصص 15% فقط للدول التي يعيش فيها 60% من سكان العالم.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز




