جدل داخل أمريكا.. ماذا يفعل «هيغسيث» في «المنزل رقم 8»؟

                            في خطوة غير مألوفة داخل أروقة الحكم الأمريكي، انتقل عدد من كبار مسؤولي إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى الإقامة في مساكن عسكرية داخل العاصمة واشنطن، ما أثار جدلاً واسعاً حول حدود الفصل بين المدني والعسكري داخل السلطة التنفيذية.
ففي قلب العاصمة، وتحديداً في قاعدة فورت ماكنير التاريخية المطلة على نهر أناكوستيا، استقر وزير الحرب بيت هيغسيث في منزل يعرف بـ”المنزل رقم 8″، وهو مقر تقليدي لنائب رئيس أركان الجيش الأمريكي.
وكان المنزل قد أصبح شاغراً بعد أن فضّل الضابط الذي تمت ترقيته إلى هذا المنصب الإقامة في قاعدة أخرى عبر نهر بوتوماك، ما فتح الباب أمام هيغسيث ليطالب بالسكن فيه.
ويحمل المنزل طابعاً تاريخياً مميزاً؛ إذ تحيط به مدافع تعود إلى حقبة حرب الاستقلال الأمريكية، ويُعد من أقدم المساكن العسكرية في العاصمة.
غير أن انتقال هيغسيث إليه لم يكن حالة فردية، إذ سرعان ما تبين أن عدداً آخر من كبار مسؤولي الإدارة سلكوا المسار ذاته، مستفيدين من المساكن المخصصة تقليدياً لكبار القادة العسكريين من جنرالات وأدميرالات.
فقد انتقل وزير الخارجية ماركو روبيو إلى منزل قريب من مقر وزارة الحرب، يقيم فيه بمفرده بينما بقيت عائلته في فلوريدا. أما وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم فتقطن في منزل مملوك لحرس السواحل الأمريكي، وتؤكد وزارتها أنها تدفع إيجاراً يعادل أسعار السوق.
كذلك يقيم وزير الجيش دانيال دريسكول ووزير البحرية جون فيلان في مساكن عسكرية، بعد أن تضرر منزل الأخير في واشنطن جراء حريق خلال مايو/أيار الماضي.
ويرى مراقبون أن هذا التوسع في إقامة المدنيين داخل القواعد العسكرية يمثل سابقة لافتة في تاريخ الإدارة الأمريكية، إذ لم تُسجل خلال الولاية الأولى لترامب سوى حالتين مماثلتين، لكل من وزير الدفاع جيم ماتيس ووزير الخارجية مايك بومبيو.
تاريخياً، نادراً ما كان المسؤولون المنتخبون يقيمون في مساكن عسكرية. ففي عام 1974، سمح الكونغرس لنائب الرئيس الأمريكي بالإقامة في مرصد البحرية الأمريكية، الذي كان لعدة عقود المقر الرسمي لرئيس العمليات البحرية.
وتضم قاعدة فورت ماكنير صفاً من خمسة عشر منزلاً مخصصاً عادة لضباط الجيش الكبار في البنتاغون، لا سيما أولئك الذين خدموا في قيادة الحروب الأمريكية بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول. ووفقاً لمسؤول في وزارة الحرب، يدفع هيغسيث هذا العام إيجاراً شهرياً قدره 4655 دولاراً لقاء إقامته في المنزل رقم 8.
وعبر الجنرال المتقاعد دينيس ريمر، الذي شغل سابقاً منصب نائب رئيس الأركان وسكن المنزل ذاته في التسعينيات، عن استيائه من تخصيص المسكن لمسؤول مدني، معتبراً أن ذلك قد يخلق أزمة إسكان لضباط الجيش الكبار في المنطقة.
ويحمل المكان أيضاً لمسة إنسانية طريفة؛ إذ يضم فناء المنزل قبراً صغيراً لكلب الجنرال ماكسويل ثورمان، أحد أبرز ساكنيه في الثمانينيات، ونُقش على شاهده: “هنا يرقد فايدو”.
وتشير تجارب وزراء الدفاع السابقين إلى أن مسألة السكن الحكومي لطالما كانت مثار نقاش. فحين تولى روبرت غيتس المنصب في عهد جورج بوش الابن، لم يكن يمتلك منزلاً في واشنطن، فاستأجر منزلاً تابعاً للبحرية قرب وزارة الخارجية بموافقة الكونغرس. أما خلفه ليون بانيتا، فاختار عدم الإقامة هناك بعدما وجد أن الإيجار الشهري يبلغ نحو 3 آلاف دولار، مفضلاً شقة بسيطة بالقرب من الكابيتول.
وفي مقابلة لاحقة، أوضح بانيتا أن الاعتبارات الأمنية قد تبرر أحياناً إقامة الوزراء داخل القواعد العسكرية، خاصة في ظل تزايد التهديدات التي تستهدف كبار المسؤولين. فالمنازل داخل القواعد توفر حماية عالية وسهولة وصول إلى مراكز القيادة في حال حدوث أي أزمة طارئة.
ويرى بانيتا أن قرب قاعدة فورت ماكنير من البنتاغون يمنحها ميزة استراتيجية واضحة، إذ يتيح للقادة التحرك فوراً عند وقوع أي طارئ. ومع ذلك، يرى بعض المراقبين أن تزايد اعتماد المدنيين على المساكن العسكرية يخلّ بالتوازن التقليدي بين المؤسستين السياسية والعسكرية، ويعكس تحوّلاً في طبيعة الحكم داخل إدارة ترامب، التي لطالما اتُّهمت بتوسيع نفوذ الجيش في المجال المدني.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز
 
				



