تغريدة تقود ثورة بيئية.. كيف غيّرت السوشيال ميديا وجه العمل المناخي؟

في أغسطس/آب عام 2018، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صورٌ لفتاة سويدية تبلغ من العمر 15 عامًا تُدعى غريتا ثونبرغ، وهي مضربة أمام البرلمان السويدي، تحمل لافتة كُتب عليها: «إضراب مدرسي من أجل المناخ».
ورغم أن مبادرتها كانت فردية تمامًا، فإنها لاقت اهتمامًا عالميًا واسعًا، وساهمت في رفع الوعي بأهمية العمل المناخي، لتصبح غريتا لاحقًا رمزًا عالميًا للنشاط البيئي.
من هذا المثال، تتجلى قوة وسائل التواصل الاجتماعي التي انتشرت على نطاق واسع خلال السنوات الأخيرة، وخلقت تحولات جوهرية في أساليب التواصل والإقناع.
قد تكون مفيدة في نشر محتوى توعوي هادف، أو ضارة إذا استُخدمت لنشر معلومات مضللة، ويتوقف ذلك على طريقة الاستخدام. وفي مجال العمل المناخي، برزت نماذج مؤثرة استخدمت السوشيال ميديا بفاعلية لدعم القضايا البيئية.
يقول الدكتور شريف الرفاعي، مسؤول العلاقات الدولية في شركة «إيكوكود»، لـ«العين الإخبارية»: “في السنوات الأخيرة، تحولت السوشيال ميديا إلى ساحة مركزية في معركة الوعي المناخي. لم تعد مجرد منصات للترفيه أو النقاش، بل صارت أداة حقيقية لصناعة التغيير. قوتها تكمن في ربط الفرد بالحدث، والصورة بالمعلومة، مما يخلق وعيًا جماعيًا عابرًا للحدود. بفضلها، لم تعد قضية المناخ حكرًا على المؤتمرات والتقارير العلمية، بل أصبحت حاضرة في الحياة اليومية للناس من خلال القصص والمقاطع والتجارب الشخصية.”
ويضيف الرفاعي: “في عام واحد، يمكن لحملة رقمية أن تحرك ملايين الشباب حول العالم، كما حدث مع حركة Fridays for Future التي بدأت بتغريدة واحدة وتحولت إلى ظاهرة عالمية. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أن السوشيال ميديا سلاح ذو حدين؛ فهي تصنع الوعي بقدر ما قد تُحدث تشويشًا، خاصة إذا لم تُدعَم بعمل ميداني منظم.”
يوضح هشام عيسى، المنسق المصري السابق لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي (UNFCCC)، أن: “وسائل التواصل الاجتماعي تُعد من أقوى المنصات لزيادة الوعي بقضايا المناخ، فهي تتيح الوصول إلى ملايين الأشخاص بسرعة وبتكلفة منخفضة”.
تقول سارة بن عبد الله، مسؤولة الحملات في منظمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “أثبتت السوشيال ميديا أنها قوة حقيقية في دعم العمل المناخي. فمنذ أن بدأت بالازدهار، ساهمت في رفع الوعي بالتغير المناخي بشكل غير مسبوق، وأصبحت المنصات الرقمية أداة رئيسية للشباب والمنظمات لنشر المبادرات، ومشاركة التحديثات، والتواصل مع المجتمع الأوسع”.
تسهم السوشيال ميديا في حشد الجماهير وتعزيز التواصل بين الناشطين والمنظمات البيئية، وتوحيد الجهود لدعم قرارات العمل المناخي.
ويقول هشام عيسى في هذا الصدد: “أصبحت السوشيال ميديا أداة للتعبئة الجماعية السريعة، سواء عبر الدعوات للمشاركة أو توقيع العرائض خلال مؤتمرات المناخ للضغط على القادة من أجل تبنّي خطوات فعلية”.
تضيف سارة بن عبد الله: “لم تقتصر فعاليتها على التوعية فقط، بل مكنت الحركة المناخية من الارتباط ببعضها عبر العالم، حتى لو لم يكن الأفراد في نفس البلد. هذا التواصل ساعد على تبادل المعرفة والمهارات وأفضل الممارسات، وساهم في توحيد المبادئ والمواقف لدعم الحملات والسياسات المناخية”.
أصبحت السوشيال ميديا صوتًا مؤثرًا للرأي العام، يتابعه صناع القرار ويولونه اهتمامًا متزايدًا.
يقول هشام عيسى: “صناع القرار باتوا أكثر وعيًا بمتابعة ما يجري على السوشيال ميديا. فالحملات الرقمية القوية قادرة على الضغط غير المباشر لتغيير السياسات أو تسريع القرارات الخاصة بالطاقة المتجددة والانبعاثات والتشريعات البيئية”.
ويضيف: “توفر السوشيال ميديا مساحة للشباب والمجتمع المدني للتعبير عن آرائهم ومشاركة الحلول الابتكارية”.
تختصر سارة بن عبد الله المشهد بقولها: “السوشيال ميديا لم تعد مجرد منصة للنشر، بل أصبحت محركًا لتقوية الحركة المناخية، وتمكين الشباب، وتسريع العمل من أجل العدالة المناخية عالميًا. اليوم، يمكن لأي صوت أن يُحدث فرقًا ويقود التغيير”.
ورغم هذا الزخم الإيجابي، يرى الدكتور جواد الخراز، منسق مبادرة تيراميد، أن التحدي الحقيقي يكمن في: “مواجهة المعلومات المضللة وضمان استدامة التأثير، والانتقال من تبادل الأفكار إلى العمل الميداني الفعلي”.
أما هشام عيسى فيشير إلى: “تحديات مثل انتشار الأخبار المضللة، أو المبالغة في بعض القضايا البيئية، إضافة إلى الفجوة الرقمية التي تحرم بعض المجتمعات الفقيرة من الوصول إلى هذه الحملات بالقوة نفسها، فضلاً عن الاعتماد على الزخم اللحظي دون استدامة للجهود”.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=
جزيرة ام اند امز




