الانهيار الصامت للصناعة البريطانية.. الإنتاج عند أدنى مستوى منذ 1952

تعيش الصناعة البريطانية واحدة من أحلك مراحلها منذ الثورة الصناعية، فبعد أكثر من 70 عاما من ازدهار قطاعي السيارات والأسمنت، تراجعت مستويات الإنتاج إلى ما كانت عليه في خمسينيات القرن الماضي.
هذه التطورت يراها الخبراء مؤشر خطير على أن المملكة المتحدة قد تصبح أول دولة صناعية تشهد “إزالة تصنيع” شاملة.
أشار تقرير نشرته صحيفة التليغراف إلى أن بيانات جمعية مصنّعي وتجار السيارات البريطانية تظهر تراجع إنتاج السيارات بنسبة 35% في سبتمبر/أيلول الماضي، ليصل إلى أدنى مستوى منذ عام 1952، بعد هجوم إلكتروني عطّل خطوط الإنتاج في جاغوار لاند روفر.
لكن هذا التراجع، وفق المقال، ليس مؤقتًا؛ فالاتجاه العام يسير منذ سنوات نحو الانحدار.
في الوقت نفسه، كشفت رابطة منتجات المعادن عن عودة إنتاج الأسمنت إلى مستويات الخمسينيات، بينما أعلنت شركة بيريللي الإيطالية تعليق العمل في مصنعين للإطارات في ستافوردشاير وكامبريا، ما يعكس ترابط الأزمة بين مختلف القطاعات الصناعية.
يقول الكاتب ماثيو لين إن المصانع البريطانية تغلق أبوابها أسبوعًا بعد آخر، في موجة غير مسبوقة من التراجع الصناعي في أي دولة متقدمة.
فحتى وقت قريب، كانت الصناعة البريطانية تمثل نحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي، وتشمل الصناعات الكيماوية والدفاعية والعلوم الحيوية، لكن هذا التوازن انهار تدريجيًا بفعل ارتفاع تكاليف الطاقة والضرائب المعقدة والسياسات البيئية الصارمة.
يُحمّل الكاتب مسؤولية هذا الانحدار إلى ما وصفه بـ”الهوس بتحقيق الحياد الكربوني”، الذي جعل أسعار الطاقة في بريطانيا ضعف نظيرتها في فرنسا وأربعة أضعاف مثيلتها في الولايات المتحدة.
كما فرضت الحكومة ضرائب التأمين الوطني ورسوم الكربون والضرائب البيئية التي أثقلت كاهل الصناعات الثقيلة. أما قوانين التخطيط العمراني، فقد حولت إنشاء المصانع الجديدة إلى مهمة شبه مستحيلة.
يرى الكاتب أن المصانع البريطانية التي نجت من الحروب العالمية والأزمات الاقتصادية وإصلاحات تاتشر في الثمانينيات، بدأت الآن تنهار تدريجيًا.
والأسوأ، بحسبه، هو غياب أي تحرك جاد من حكومة حزب العمال الحالية، رغم إعلانها عن “استراتيجية صناعية” شكلية خلال الصيف الماضي.
يحذر لين من أن فقدان القاعدة الصناعية سيكون دائمًا، قائلًا: “عندما تُغلق المصانع أبوابها، لن تُعاد فتحها مجددًا؛ العمال المهرة سيغادرون، وحصة السوق ستضيع للأبد”.
فبينما تعيد الولايات المتحدة بناء قاعدتها التصنيعية عبر الحمائية التجارية، وتواصل الصين والهند وفيتنام توسعها الصناعي، تغرق بريطانيا أكثر في دوامة التراجع.
اختتم الكاتب بدعوة عاجلة إلى الاعتراف بالانهيار الصناعي كأزمة وطنية، مطالبًا الحكومة بـخفض أسعار الطاقة وتخفيف الضرائب الكربونية، وحتى إعادة النظر في التنقيب البحري عن النفط والغاز.
فمن المفارقات المؤلمة، كما يقول، أن الدولة التي كانت مهد الثورة الصناعية قد تصبح قريبًا أول دولة تُعلن رسميًا وفاة الصناعة فيها.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز




