اسعار واسواق

جيبوتي وتمديد الفترات الرئاسية.. بين الاستقرار والتحديات


تعديل دستوري يلغي الحد الأقصى لسن الترشح للرئاسة في جيبوتي أعاد خلط الأوراق السياسية في واحدة من أكثر دول القرن الأفريقي استقراراً.

وكان السن المحدد سابقاً بـ75 عاماً، ما يفتح الباب أمام الرئيس إسماعيل عمر جيله لخوض انتخابات عام 2026 رغم بلوغه 77 عاماً.

القرار، الذي نال تأييد النواب الـ65 الحاضرين، سيُعرض لتصويتٍ ثانٍ في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، أو لاستفتاء شعبي قبل دخوله حيز التنفيذ.

وبينما وصفه مؤيدوه بأنه «ضمانة للاستقرار الوطني»، اعتبره معارضون «تمهيداً لرئاسة مدى الحياة».

بين الاستقرار والمأزق الديمقراطي

وفي هذا الإطار يرى الباحث والمحلل السياسي بالقرن الأفريقي، الدكتور هاشم علي حامد، في حديثٍ لـ«العين الإخبارية»، أن «رفع الحد الأقصى لسن الترشح قد يكون خطوة تضمن الاستمرارية السياسية والاستقرار في ظل التحديات الإقليمية المتزايدة».

وأضاف: «استمرار الرئيس جيله في السلطة قد يمنح البلاد القدرة على مواصلة مشاريعها التنموية والحفاظ على دورها الاستراتيجي في الأمن البحري والتجارة العالمية، دون التعرض لفراغ قيادي محتمل».

لكن حامد حذّر من أن «إلغاء الحد العمري يحدّ من فرص التداول السلمي للسلطة وضخّ دماء جديدة في الحياة السياسية»، مؤكداً أن «التحدي أمام الحكومة هو إيجاد توازن بين الاستقرار وفتح المجال للمنافسة السياسية».

أزمة تداول السلطة

من جهته، قال الكاتب والباحث في الشؤون الأفريقية، أنور إبراهيم، في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن ما تشهده جيبوتي «يمثل نمطاً مكرراً في القارة الأفريقية، حيث تسعى بعض القيادات إلى تغيير الدساتير أو الالتفاف عليها بما يخدم مصالحها الشخصية».

وأضاف إبراهيم أن «هذه الممارسات تُكرس ثقافة التشبث بالسلطة على حساب التداول الديمقراطي، وهي ظاهرة أثبتت تجارب عديدة في أفريقيا أنها تقود إلى أزمات سياسية وانقسامات اجتماعية حادة».

وحذّر الباحث من أن «استمرار هذا النهج يهدد مستقبل الأجيال القادمة ويقوض ثقة المواطنين في المؤسسات»، مشيراً إلى أن «القوة الحقيقية للدول تكمن في تجدد قيادتها واحترامها للدساتير التي تمثل عقدها الاجتماعي الأسمى».

دعم دولي مشروط

ويُجمع محللون على أن الدعم الدولي الضمني للحكومة الجيبوتية، الناتج عن موقعها الجيوسياسي الحيوي، يوفّر مظلة حماية من الضغوط السياسية الخارجية، لكنه في الوقت ذاته يقلل من دوافع الإصلاح الداخلي.

فوجود قواعد عسكرية أمريكية وفرنسية وصينية ويابانية وإيطالية على الأراضي الجيبوتية يجعل البلاد مركزاً استراتيجياً لا يمكن تجاهله في معادلة الأمن البحري والتجارة العالمية.

ويشير مراقبون إلى أن «هذا الدعم الخارجي يضمن استمرار النظام القائم، لكنه يبطئ في المقابل عملية التحول الديمقراطي التي تتطلب إرادة سياسية داخلية أكثر من الرعاية الدولية».

البرلمان يشرّع والمعارضة تحذر 

ودافع رئيس الجمعية الوطنية، دليتا محمد دليتا، عن التعديل قائلاً إنه «يهدف إلى تثبيت الاستقرار الوطني في ظل بيئة إقليمية مضطربة»، مشيراً إلى أن أكثر من 80% من المواطنين يؤيدونه وفق تقديرات حكومية.

لكن خلف هذا الخطاب المطمئن، يرى مراقبون أن الخطوة جاءت استجابة لحسابات داخلية وخارجية معقدة، فجيبوتي التي تتمتع بموقع جيوسياسي استثنائي عند مدخل البحر الأحمر ومضيق باب المندب، تواجه ضغوطاً متزايدة للحفاظ على توازناتها وسط سباق نفوذ دولي محتدم بين واشنطن وبكين وباريس.

في المقابل، حذّر عمر علي إوادو، رئيس الرابطة الجيبوتية لحقوق الإنسان، من أن التعديل «يُقوض فرص التداول السلمي للسلطة»، داعياً إلى إصلاحات تضمن انتقالاً ديمقراطياً حقيقياً.

أما زعيم حركة التجديد الديمقراطي والتنمية المعارضة، ضاهر أحمد فرح، فاعتبر أن على المجتمع الدولي «إعادة النظر في أولويات شراكاته مع جيبوتي»، مؤكداً أن «الأهمية الجيوستراتيجية للبلاد يجب أن تخدم مصالح شعبها لا مصالح شخص واحد».

هذه التصريحات تعكس تصاعد المخاوف من تحول جيبوتي إلى نموذج آخر في القارة الأفريقية، حيث تُستخدم ذريعة الاستقرار لتبرير إضعاف آليات التداول الديمقراطي.

تاريخ طويل في الحكم

الرئيس إسماعيل عمر جيله، الذي يحكم البلاد منذ عام 1999 خلفاً للرئيس المؤسس حسن جوليد أبتيدون، يعد أحد أقدم الزعماء الأفارقة في السلطة، إلى جانب يويري موسيفيني في أوغندا وأسياس أفورقي في إريتريا.

وكان جيله قد فاز بولاية خامسة في انتخابات 2021 بنسبة تجاوزت 98%، في اقتراع قاطعته أحزاب معارضة.

ورغم إشادة واشنطن بـ«سير الانتخابات السلمي»، فإنها حثّت جيبوتي على «تعزيز المؤسسات الديمقراطية وتنفيذ توصيات المراقبين الدوليين».

مفترق طرق سياسي

في ختام المشهد، تبدو جيبوتي أمام مفترق دقيق بين الحفاظ على استقرارها السياسي والاقتصادي، وبين تلبية تطلعات النخب والشباب نحو إصلاحات أعمق.

وبينما يستعد البرلمان الجيبوتي لجولته الثانية من التصويت، تبقى الأنظار متجهة إلى القرن الأفريقي، حيث تتقاطع شرعية الاستقرار مع مأزق الديمقراطية، في معادلة لا تزال مفتوحة على كل الاحتمالات.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى